ما نقوله علانية وعبر منصات التواصل الاجتماعي مغاير حتما غالبا لما نقوله خلف الأبواب المغلقة، وهذه حقيقة مطلقة، ففي العلن نحن مثاليون جدا، بل نكاد نصل إلى حد الكمال في بعض النقاط التي نعلق عليها، وفي حقيقة الأمر، الأمر لا يعدو كونه ممارسة أحد أنواع النفاق الافتراضي، تماما كما هو الحال مع النفاق الاجتماعي الطبيعي الذي يمارس منذ مئات السنوات، الفارق ان هذا رقمي، مثلما نقول «محشوم» لشخصية أثيرت حولها شبهات تجاوز، وتتكرر كلمة «محشوم» في الطالعة والنازلة.
و«محشوم» لغير الناطقين باللغة الكونية الكويتية تعني «منزه عن فعل ما اتهم به»، وهذه إشكالية فنحن وأمام النفاق الاجتماعي الطبيعي «مو خالصين»، فما بالكم إذا اجتمع النفاق الاجتماعي الطبيعي مع النفاق الافتراضي؟! هنا الكارثة.
فما نراه من ازدواجية بين ما يقال في العلن وبين ما يقال خلف الأبواب المغلقة هو سبب التناقض الذي نشعر به، فإذا كان كل هؤلاء في تويتر وانستغرام وسناب مثاليين فمن هو الفاسد؟!، من هو الحرامي؟! من هو الذي يعطل المعاملات؟! من هو الذي لا يفتح باب مكتبه أمام الجمهور؟!.
الكاتب العراقي علي الوردي تحدث عن ازدواجية الشخصية، وحدد المتدين الفاسد او الفاسد المتدين، فهو كشخصية من جهة محافظ على الصلوات وفي ذات الوقت يكذب وربما يسرق، والازدواجية في الشخصية التي تحدث عنها الوردي لا تختص بالشخصية العراقية فقط بل انها ممتدة إلى العموم، وفي هذه الازدواجية المتناقضة جزء من تفسير سبب النفاق الافتراضي الذي نعيشه، فكلنا مثاليون وجميعنا ملائكة في العلن وانتم رواد التواصل الاجتماعي، في الحقيقة نحن ندعي المثالية ونحن أبعد ما نكون عنها.
٭ أتذكر احد المؤيدين الشرسين للحراك ٢٠١١ لم تبث كلمة إلا وألقاها في ذمته ضد السلطة ومن يواليها، وسألته ذات يوم: «إذا كنت بهذه الحرقة على بلدك والفساد الذي تعاني منه، فلم تذهب صباحا فقط لتثبت حضورك في مقر عملك وتعود ولا تؤدي أي عمل يذكر مقابل ما تتقاضاه من راتب؟»، فقال لي بنبرة ملؤها الثقة: «يا عمي صلي على النبي البلد كلها ماشية بهذه الطريقة».
حتى يتساوى ما نقول في العلن وما نقول خلف الأبواب المغلقة سنكون مجرد ممارسين للنفاق الاجتماعي في أفخر أنواعه.
[email protected]