يقول الفنان العبقري الراحل محمود القلعاوي في آخر لقاءاته: «لقد مثلت في مسرح الطليعة عدداً من المسرحيات وأغلبها لم أكن أفهم لا فحواها ولا مغزاها».
***
طبعا كان القلعاوي ـ رحمه الله ـ صادقا جدا في تصريحه ذلك من أنه لعب أدوارا في مسرحيات لم يفهمها، وقبل سنوات طويلة، طويلة جدا، بل جدا جدا، التقيت فنانا كويتيا كان يلعب دورا بمسرحية في مهرجان للمسرح التجريبي وبعد انتهاء العرض قال لي مازحا: «والله العظيم ما تدري شسالفة بس شاركت عشان يقولون عني مثقف»، لم يكن يمزح بل كان صادقا، لم يكن هو وحده الذي لم يفهم المسرحية بل أنا لم أفهم المسرحية ولا جوهرها ولا فحواها، ولا الجمهور الذي حضرها ولا النقاد حتى أولئك الذين عقلوا عليها.
***
ولكن في النهاية الكل خرج سعيدا، أعتقد أن عدم الفهم أحيانا.. نعمة.
الحالة التي عاشها الممثل الذي ذكرته وعشتها معه ومعنا الجمهور والنقاد تشابه ما يحدث اليوم في مشهدنا السياسي الطيب الحبوب المسالم، فلا أحد يفهم أي شيء مما يجري، والدليل أنه لا أحد قدم حتى الآن قراءة سياسية شاملة للوضع في البلاد، أنك تجد نقادنا السياسيين «المحللين» يجيدون تقديم القراءات حول أوضاع بلدان بعضها يبعد عنا 11687 كيلومترا ويحللون انتخاباته العامة، بل ويحللون أحيانا انتخابات العُمودية، طبعا لا ألومهم، فلدينا قانون مطبوعات وقانون جرائم إلكترونية يمنعنا من تناول الوضع القائم في البلد بشكل شفاف ومتجرد، فما كنا نكتبه قبل 15 عاما لا نستطيع كتابته أو تناوله اليوم.
***
أما ماذا يحدث في البلد اليوم؟!، فلا أحد يعلم على وجه الدقة ماذا يحدث أو إلى أين نحن متجهون، ولكن الشكل العام لناتج إرهاصات ما حدث خلال الفترة الماضية ينبئ بأن تغييرا جذريا قادما، وقد سبق أن ذكرته في أكثر من مقالة سابقة منذ بداية انطلاق الدور الرابع والأخير من المجلس.
***
قوانين المطبوعات و«الجرائم الإلكترونية» والنشر الإلكتروني كلها جعلت من المستحيل تناول الوضع في البلد بشفافية، وخنقت حرية الصحافة بل وضعتها تحت أجهزة الإنعاش الحكومية، والمصيبة أن هذه القوانين ولدت مع ولادة ثورة وسائل التواصل الاجتماعية، وللتدليل على أنها كانت موجهة في جزء كبير منها لضرب حرية الرأي، أن كل من يحالون بموجب تلك القوانين سببه إبداء آرائهم، في المقابل لم نسمع عن القبض على هاكر واحد، أو إرهابي أنشأ موقعا أو تاجر مخدرات عرض بضاعته أو تاجر بشر عرض خدماته لبيع الإقامات، لكن ربعنا يموتون بأصحاب الرأي، يعشقونهم عشق!
[email protected]