منذ سنوات وابني الصغير يوسف ذو السنوات الست يعاني من الخوف من الاقتراب من الكاتشـب سواء كان في علبة أو مضافا على رقائق البطاط، بل إنه لا يطيق رائحته، وكنا قد لاحظنا رفضه له وابتعاده عنه عندما كان في الثالثة، إذ كلما جلسنا على غداء أو عشاء يطلب منا إبعاده، وطبعا إخوانه الكبار ما يقصرون استغلوا اكتشافهم لهذا الهلع الذي يصيبه كلما رأى علبة الكاتشاب ويقومون برميها في حضنه فقط ليشاهدوه يجري صارخا وهو يبعد العلبة بيديه كما لو أنه يلقي قنبلة على وشك الانفجار، وبينما هم ينفجرون ضحكا ينفجر يوسف غضبا.
أعترف أنني ألقي علبة الكاتشاب عليه أحيانا فقط لأستمتع بردة فعله الهستيرية، ولا أعرف إن كان تصرفي يدخل ضمن المواد التي يعاقب عليها قانون الطفل الأخير، ولكن «طز»، خلهم يخلصون من حرامية المليارات وغاسلي الملايين وتالي تشوف الحكومة سالفتي أنا وولدي يوسف.
طبعا لم اعلم سوى من أيام ان هناك حالة هلع نفسية تسمى بـ«رهاب الكاتشاب» ومصنفة علميا وتعرف باسم «مورتوسيكو فوبيا»، وللأسف انني والعائلة لعبنا في حسبة يوسف وهو المسكين يعاني من هذا الرهاب، الذي قد تصل حالته إلى إغماء المصاب به إذا ما انسكبت مادة الكاتشب على ملابسه، طبعا أن يصل الأمر مع يوسف إلى هذا الحد، وإن كنت أعتقد أن جيناته الجهراوية ستقضي على الرهاب، فلا يعقل أن نقبل كجهراوية أن جهراويا واحدا مصاب بهذا الرهاب السخيف.
***
الحكومات الكويتية كلها بلا استثناء القديمة والحديثة والمعارضة والحالية مصابة برهاب لا يقل سخافة عن رهاب الكاتشاب، وهو أنها لا تتخذ قراراتها إلا بناء على حدث جديد يمر به البلد وكأنها مصابة بـ «رهاب ردة الفعل»، أي أن ما تصدره من قرارات غالبا لم يكن ليصدر إلا كردة فعل، أي ليس للمصلحة العامة بل لمعالجة أثر حدث أو جريمة أو خطأ حدث مؤخرا، فمثلا.. عندما ثارت ثائرة تويتر على التركيبة السكانية أصدرت قرارات «ردة فعل» غالبها ساذجة منها كمثال قرار حظر منح الإقامة لمن تجاوز الـ 60 من الوافدين، واعتقد ان القرارات الأخرى ستكون بدأت التسرع والسذاجة في هذا القرار وغيره، الحكومة وظيفتها التخطيط ودراسة كافة جوانب أي قضية ثم تصدر قرارها أو قرارتها لمعالجتها، لا أن تصحو على ثورة شعبية ضد حدث ما ثم تتخبط وتلوح بيديها وتصدر قرارات متسرعة فقط لتسكت الناس، بينما لو كانت تخطط في الأصل لما كانت لدينا قضية.
***
يقول أحد المسؤولين لي: قوانيننا منذ 1965 صالحة ولا لبس فيها والتعديلات عليها اللاحقة جعلتها أكثر فاعلية، ولكن المشكلة ليست في القوانين بل في تطبيقها، وهي قوانين لو طبقت لما كانت لدينا مشاكل بهذا العدد وهذا الحجم المبالغ فيه.
***
ولنتخيل أن وزيرا تشاجر مع وزير في مكتب وألقى الأول على الثاني كأسا زجاجيا محاولا ضربه، هل تعلمون ما هي رد فعل الحكومة؟ ببساطة ستصدر بيانا في اليوم التالي كالتالي: «هذا إذ يعرب مجلس الوزراء عن أسفه عن الحادثة ويقرر منع استخدام الكؤوس الزجاجية ووضعها في مكاتب عموم الوزراء واستبدالها بأكواب ورقية صالحة للاستخدام مرة واحدة»، بس لا أكثر ولا أقل.
***
توضيح الواضح: التخطيط السليم إجراء وقائي كي لا تسقط في فخ الأخطاء التي تؤدي إلى اتخاذ قرارات متسرعة.
***
توضيح الأوضح: نصيحة للحكومة وببلاش، أجلوا استقطاع الأقساط ثلاثة أشهر أخرى، وسترون أي فائدة ستعود عليكم، لا يقصون عليكم بعض خبراء الاقتصاد المصرقعين والمحللين السياسيين الذين يحيطون بكم.
[email protected]