دائما ما يشعر الإنسان بالحنين والشوق والغربة عندما يبتعد عن وطنه لفترة من الزمن سواء كان سائحا أو في دراسة أو علاج وهذا شعور طبيعي، يُخلق مع الشخص ولا يستطيع أن يتجرد منه، لكن الغرابة في الأمر تأتي إذا أحس الواحد منا بالغربة وهو يعيش داخل وطنه الأصلي الذي ينتمي إليه ويحمل هويته، وهذا الشعور الداخلي لا ينتج إلا عن أمر جلل يتبعه الألم وربما الحزن الظاهر على الوجه.
على سبيل المثال عندما يتقدم شخص ما لوظيفة معينة ويكون حاصلا على أعلى المعدلات، وعند ظهور نتائج القبول ويرى من هو أقل منه نسبة يُقبل بالوظيفة وهو مرفوض، سيشعر حينها أن هذا الوطن ظلمه ولم يقدر جهده وتفوقه.
ويقاس المثل أيضا على طالب أنهى المرحلة الثانوية بمجموع عالٍ وقدم أوراقه لإحدى الجامعات بالداخل أو البعثات أو الكليات العسكرية، وعند إعلان النتائج يكتشف أنه رفض أو تم وضعه في تخصصات لا يرغبها، وبعض زملائه أو أقاربه وأصحابه تم قبولهم في أماكن معينة مع أنهم أدنى منه نسبة لأن عندهم «واسطة» أدخلتهم.
وإذا تناولنا ما هو أدهى وأمر عندما يحتاج هذا المواطن إلى العلاج بالخارج لمرض ألمَّ به وعجز عنه الأطباء بالداخل، فلا يجد من يساعده ويرسله للخارج للعلاج وإنقاذ حياته، ويظل يعاني من الألم والوجع وبالوقت نفسه يرى أشخاصا يذهبون للعلاج بالخارج دون أن يكونوا مرضى، أو أن علاجهم متوافر بالمستشفيات داخل الكويت! فكيف سينعكس ذلك على نفسية هذا المريض المستحق والعاجز عن علاج نفسه؟!
وإذا تطرقنا لجانب آخر لا يقل أهمية عما سبق والظلم فيه أكبر وأشمل هو عندما يفضل الوافدون على المواطنين بقبولهم في الوظائف والأعمال المختلفة والمتعددة بالشركات والبنوك وحتى بالقطاع الحكومي ويعمل الواحد منهم بأكثر من وظيفة، وأبناء الوطن من الخريجين يبقون عاطلين مسجلين في قوائم الانتظار لسنوات بسبب قوانين وضعها هذا المستشار الوافد، في المقابل الكثير من المواطنين أرهقتهم الأقساط وتراكمت عليهم الديون وأوامر الضبط والإحضار، ووصل الحال بالكثيرين إلى السجن وفصلهم من أعمالهم وتشتيت عائلاتهم لأن القوانين قيدتهم ولم تسمح لهم بالعمل في مكان آخر لتحسين أوضاعهم المادية.
كل ما ذكرناه من أمثله جميعها حقيقية وحدثت بالفعل مع الآلاف من المواطنين وما زالت تحدث، ولا شك أنها تعبر عن معاناة ومأساة ويأس وتهميش وانكسار وتجعل الإنسان يعيش في وطنه كالأسير، لان هناك من تركه وتخلى عنه وهو في أمسّ الحاجة إليه حتى أصبح الغريب هو ابن الوطن، وابن الوطن الحقيقي أصبح هو الغريب.
[email protected]