- الكوس: اتسمت أحكام الشريعة باليسر ورفع الحرج
- السلطان: المسلم الذي عليه دين لغيره لا يجب عليه الحج
في موسم الحج يكثر الجدل والنقاش حول مدى مشروعية الحج على نفقة الغير سواء الأشخاص أو اللجان الخيرية أو الحملات ذاتها، فمنهم من يذهب الى الحج لأداء وظيفة أو خدمة تتعلق بالحجاج، ومنهم من يكون مسؤولا عن حج الفقراء، ومنهم من يستدين لكي يؤدي الفريضة، فما مشروعية ذلك؟
في البداية يوضح الداعية الإسلامي د.أحمد الكوس مدى مشروعية الحج على نفقة الغير، فيقول: فرضت فريضة الحج مرة واحدة في عمر الإنسان وهي لا تجب إلا على القادر في الصحة والمال الذي يمكن صاحبه من أداء الفريضة بشرط ان يكون هذا المال زائدا على حاجته وحاجة من يعول، وان يكون مالا حلالا طيبا، اما الذين يذهبون الى الحج على نفقة الجمعيات واللجان الخيرية وعلى نفقة مؤسسات الدولة فهم أنواع، فمنهم من يذهب لأداء وظيفة أو خدمة تتعلق بالحجاج كالأطباء ومن يتولون تدبير مصالح الحجيج كمن يقومون بحجز المساكن أو الإشراف عليها، وعلى إقامة المخيمات في منى وعرفات أو يشرفون على انتقال الحجاج بين المشاعر أو نحو ذلك من الخدمات ولا حرج في ذهاب أمثال هؤلاء على نفقة الدولة بشرط القيام بأداء المهام التي ذهبوا من أجلها دون تكاسل أو تقصير. ومنهم من يذهب مكافأة له على عمل جليل قام به خدمة لمجتمعه أو تقديرا لتضحيات قام بها أو قام بها ذووهم كأبناء الشهداء والأسرى، أو الذين أصيبوا في الحروب ولا حرج في حج هؤلاء على نفقة الدولة تكريما وتقديرا لهم بشرط ان يكون الاختيار قائما على العدالة والتحقق الفعلي لهذه التضحيات وألا يحرم منها من يستحقون هذه الميزة.
وأكد ان الاختيار لهؤلاء اذا كان قائما على المجاملة أو القرابة أو الوساطة دون عمل أو استحقاق فإن الحج عندئذ يكون حراما وتزداد الحرمة اذا أدى اختيار أمثال هؤلاء إلى حرمان المستحقين الذين يعجزون عن الحج على نفقتهم الخاصة.
المرشد الديني
وبخصوص من يبعث كواعظ أو مرشد ديني للحملة، أوضح د.الكوس ان من يبعث لأداء فريضة الحج عن طريق وزارة أو حملة كالوعظ والرد على استفسارات الحجاج الدينية وتوجيههم الى المناسك المفروضة أو الأطباء المشرفين على الناحية الصحية ومعالجة المرضى من الحجيج، فمثل هؤلاء يؤدون عملا يجب عليه الأجر نظير هذا العمل.
المال الحلال
وعن مشروعية من يحج على نفقة الغير للمرة الأولى وهل تسقط الفريضة خاصة الفقراء والمحتاجين، أجاب د.الكوس: تسقط الفريضة ما دام صاحبها غير قادر، ولكن الثواب الحقيقي هو لمن تكفل بالحج بكل تكلفته لأنه قام بتقديم شخص فقير تهفو نفسه الى الحج، وهو لا يستطيع لقلة ماله، بشرط ان يكون مصدر المال من الحلال الطيب الذي لا شبهة فيه «ان الله طيب لا يقبل إلا طيبا».
وأكد ان مكانة الحج العالية في تطهير النفس وغفران الذنب والقرب من الله سبحانه وتعالى، فجدير بمن يريد أداءها ان يتحرى بكل دقة وأمانة المال الحلال الذي لا تشوبه أدنى شائبة أو أقل شبهة حتى يكون مقبولا: قال النبي صلى الله عليه وسلم: اذا خرج الحاج حاجا بنفقة طيبة ووضع رجله في الغرز فنادى لبيك اللهم لبيك، ناداه مناد من السماء لبيك وسعديك زادك حلال وراحلتك حلال وحجك مبرور غير مأزور، واذا خرج بالنفقة الخبيثة فوضع رجله في الغرز، فنادى لبيك اللهم لبيك ناداه مناد من السماء لا لبيك ولا سعديك زادك حرام ونفقتك حرام وحجك مأزور غير مأجور» ولذلك اذا ما خرج بالمال الطيب الحلال الذي لا شبهة فيه فهو مقبول الحج ومستجاب الدعاء لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لسعد بن أبي وقاص: «أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة»، فهو مستجاب الدعوة ومقبول العبادة ما دام قد خرج بالمال الحلال وابتعد عن الحرام أو ما فيه شبهة، كما ان النفقة في الحج يضاعفها الله سبحانه وتعالى ويجزل المثوبة لصاحبها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «النفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله، الدرهم بسبعمائة ضعف».
حج المدين
وبخصوص ما يتعلق بحج المدين أوضح الداعية د.خالد السلطان ذلك فقال: الحج فريضة على كل مسلم مستطيــع والاستطاعــة تشمل القدرة المالية والقدرة الجسمانية والمدين الذي عليه دين لغيره لا يجب عليه الحج، لأنه غيرالمالك للمال، وبالتالي فهو غير مستطيع، ويجب عليه قضاء ما وجب عليه من دين للآخرين أولا، سواء أكانت هذه الالتزامات حقوقا لله، كالنذور والكفارات أم كانت حقوقا للآدميين كالديون.
وزاد: وقد ذكر الفقهاء في هذا الموضوع، انه لو اذن من كان له دين للمدين بالحج قبل ان يسترد حقه منه فلا عبرة بهذا الإذن ويبقى الحج غير واجب في حق المدين لأن المطلوب من المكلف أولا إبراء ذمته من الدين، فإذا لم يحصل هذا الإبراء فقد بقيت ذمته مشغولة بحق الغير وهذا الحكم فيما اذا كان الدين حالا أي غير مؤجل إلى أجل.
اما اذا كان الدين مؤجلا كأن يكون أقرضه مبلغا من المال على ان يرده اليه بعد عامين مثلا، وبعد مرور فترة قصيرة أصبح من عليه الدين قادرا على وفاء دينه ونوى وفاء ذلك الدين، ففي هذه الحالة لا يكون الحج واجبا عليه الا بعد ان يوفي دينه، اما ان كان المدين لا ينوي قضاء ما عليه من دين وكان يعلم من نفسه انه سينفق ماله في أمور أخرى ففي هذه الحالة يكون الحج واجبا عليه ولا يعد غير مستطيع لامتلاكه النفقة اللازمة، وان كان الأفضل والأولى في حقه رد ما عليه من دين.
وفيما يتعلق بغير المدين الذي يريد الحج، فإن من شروط تحقق الاستطاعة ان يكون مالكا لنفقة من يعول من حين خروجه الى وقت رجوعه بما في ذلك نفقة نفسه، وعن الفقير الذي لا يملك المال لأداء فريضة الحج قال: من شروط الحج الاستطاعة بأن يكون مالكا للمال ولأنه غير مستطيع فالحج في حقه غير واجب اما اذا ذهب على نفقة بعض المحسنين فلا غبار عليه.
على نفقة الأب
اما الحج على نفقة الأب أو الابن فقال د.السلطان: للفقهاء آراء فالشافعية يرون ان الحج لا يلزم على نفقة الغير الا من الابن، والجمهور يرى انه يجوز الحج على نفقة الابن أو الأب، ما دام قادرا على ان معظم الثواب يكون لهذا الغير أبا أو ابنا أو قريبا، وعلى ان يكون هذا الغير قد سبق له أداء الفريضة وألا يكون مفرطا في واجبه الشرعي، فإذا كان قادرا ماليا وبدنيا على الحج ولم يؤده ويحج لابنه أو ابنته أو زوجته أو أي شخص آخر فهو آثم لأن عليه دينا لله هو أحق برده.
حج الزوجة
وعن مدى مسؤولية الزوج عن حج زوجته بين انه اذا كان الزوج قادرا أو الزوجة ليس لها ذمة مالية منفصلة عنه وليست قادرة ماليا في أداء الفريضة كان على الزوج ان يخرجها لأداء الفريضة على نفقته من الناحية الأخلاقية وله الثواب على ذلك.
اما من الناحية الشرعية فتكاليف حج الزوجة ليست من مسؤولية الزوج لأنها ليست من النفقة الشرعية لها اما اذا كانت لديها الاستطاعة المالية فالأفضل لها ان تكون تكاليف الحج على نفقتها مثلها في ذلك مثل الزكاة والصدقة.