قال تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب.. النساء 36).
عن ابن عباس رضي الله عنهما: «والجار ذي القربى» يعني الذي بينك وبينه قرابة، «والجار الجنب» الذي ليس بينك وبينه قرابة. أخرجه الطبري «8/335» بسند حسن كما قال الحافظ في الفتح «10/441».
قال القرطبي «5/183»: «أما الجار فقد أمر الله تعالى بحفظه والقيام برعي ذمته في كتابه وعلى لسان نبيه، ألا تراه أكد ذكره بعد الوالدين والأقربين، فقال تعالى (والجار ذي القربى) أي القريب، (والجار الجنب) أي الغريب، قاله ابن عباس، ثم قال القرطبي: قلت: وعلى هذا، فالوصاية بالجار والإحسان قد يكون بمعنى المواساة، وقد يكون بمعنى حسن العشرة وكف الأذى والمحاماة دونه.
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه» متفق عليه.
إن الاحسان إلى الجار وإكرامه أمر مطلوب شرعا، وللجار على جاره حق عظيم في الأديان كلها والشرائع.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه» رواه البخاري «8/168».
قوله: بوائقه جمع بائقة أي غائلته وشره، فالبائقة الداهية والشيء المهلك والأمر الشديد الذي يوافي بغتة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره» رواه البخاري ومسلم.
من هذه النصوص وغيرها نستخلص عناية الإسلام برعاية حق الجار، إذ جعل له حقوقا عامة وخاصة فإن كان قريبا من النسب وهو مسلم فله ثلاثة حقوق: حق الجوار، وحق القرابة وحق الإسلام.
وإن كان مسلما وليس بقريب في النسب فله حقان، حق الاسلام وحق الجوار وإن كان غير مسلم وليس بقريب فله حق الجوار.
ولهذه العناية آثار لا تخفى على كل فرد في المجتمع المسلم، ومن ذلك تهيب المسلم من الإضرار بالجار، والحرص على نفعه فان لم يكن فعدم ضرره، ومن ذلك أيضا مواساته إذا أصابه مكروه وتعزيته إذا حلت مصيبة الموت بأهله أو أقربائه، فتراه يهنئه بالفرح ويظهر مشاركته له في السرور معه ويصفح عن زلاته ولا يطلع على عوراته ولا يضيق طريقه إلى الدار، وينعشه من صرعته إذا نابته، ويتلطف لولده في كلمته ويرشده إلى ما يجهله من أمر دينه ودنياه.
ويقابله الجار المسلم بمثل ذلك فتسود المحبة بين افراد المجتمع ويعم الوئام وهو المطلوب.
قلت:
الجار عندي شقيق النفس أحسبه
أخا كريما وإن اقفى سأصحبه
في كل يوم ألقاه فيسعدني
منه سلام كشهد عز مطلبه
هو الحبيب يروم النفس أمنحها
مني إليه لأرضيه وأكسبه
الله وصى بالجيران نكرمهم
فكيف ننكر حق الجار نسلبه؟