- بعث الخلائق ليس بأصعب من خلقهم وإيجادهم على غير مثال سابق
ما المقصود باليوم الآخر؟
وهل سيكون هناك يوم يحاسب الله فيه الناس بعد احيائهم؟ وهل يعقل ان يحيا الناس بعد موتهم؟
يوضح لنا هذا الأمر الجلل د.خالد المذكور فيقول: المراد باليوم الاخر امران: الأمر الأول، فناء هذا العالم كله وانتهاء الحياة بكاملها، فدل لفظ اليوم الآخر على آخر يوم من أيام هذه الحياة، الأمر الثاني: اقبال الحياة الآخرة وابتداؤها، فيدل اللفظ على اليوم الأول من الحياة الثانية.
وأكد د.المذكور ان انتهاء الحياة وفناء هذا العالم كله ليس بمستحيل عقلا لأن هذا العالم ليس أزليا ابدا، ومادام ليس ازليا فهو اذن حادث يعني وجد بعد أن لم يكن موجودا، وخلق بعد ان لم يكن مخلوقا، وما دام وجد وما دام خلق، فالفناء يعد صفة لازمة له ولا تنفك عنه، ونحن نشاهد هذا الفناء على الحادثات في هذه الحياة بما لا يحتاج الى دليل، فالانسان والحيوان والنبات كلها تفنى امامنا وتحت سمعنا وبصرنا فكم شيعنا ميتا الى قبره ودفناه، وكما حملنا ميتا على نعشه، سيأتي يوم نحمل نحن على نعوشنا وندفن في قبورنا، كما اننا نشاهد الكوارث الطبيعية من زلازل واعاصير تدمر مدنا وقرى كبيرة، وتغير معالم الأرض في كثير من البلاد في العالم، وبناء على هذا فاليوم الآخر وهو اليوم الذي لا يأتي بعده يوم من أيام هذه الحياة، ممكن الوقوع واذا قلنا ان هناك حياة أخرى فيها ابتداء واقبال فمعنى هذا ان هناك بعثا للموتى واحياء لهم بعد مماتهم، وهذا هو لب السؤال.
صورة مكررة
وشرح د.المذكور كيف يعطينا الله سبحانه وتعالى صورا تتكرر كل ليلة قائلا: انت في هذه الليلة ستنام وفي حال منامك لا تشعر بمرور الوقت وتستغرق في النوم وتستيقظ صباح اليوم التالي ان اراد الله، وهذه صورة مصغرة للبعث بعد الموت، فالنوم يعتبر موتة مصغرة ايضا ولقد جاء هذا الاستدلال في القرآن الكريم في قول الله تعالى: (وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار) يعني ما ارتكبتم في النهار من الذنوب ثم يبعثكم فيه - يعني في النهار بعد انتهاء الليل، فعبر سبحانه عن النوم بالوفاة وعبر عن الاستيقاظ بالبعث فقد اعطانا صورة مصغرة للموت والحياة في منامنا ويقظتنا ويعقب جل وعلا بقوله: (ليقضى أجل مسمى ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون) دليل على ان هذه الحياة حدد الله لها اجلا محددا معروفا ثم اليه مرجعنا وينبئنا ويخبرنا بما فعلناه في هذه الحياة.
دليل آخر
ويعرض علينا د.المذكور دليلا آخر، نشاهده في هذه الحياة فيقول: الذي يبني بيتا والبيت حادث يعني بني بعد ان لم يكن مبنيا، ثم اراد صاحب هذا البيت ان يهدمه فهل يستحيل عقلا هدمه او يكون جائزا؟ طبعا يكون جائزا لأن هذا مشاهد واذا اراد ان يبنيه مرة اخرى هل يستحيل عليه عقلا بنيانه مرة اخرى او يكون جائزا؟ يكون جائزا لأن هذا كذلك مشاهد، اذن كيف يستحيل على الله ان يفني هذا العالم وهو الذي خلقه وكيف يستحيل عليه ان يبعثه مرة اخرى وهو الذي افناه؟ ان هذه الشبهة شبهة انكار البعث باعتبار ان العقول لا تكاد تصدق اعادة الحياة الى الاجسام بعد تفرقها وتحللها وبعد ان يتداخل بعضها في بعض وتتحول الاجسام الى تراب، هذه شبهة قديمة ذكرها القرآن الكريم بقوله تعالى: (وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون).
واضاف د.المذكور ان هذه الشبهة يردها الواقع المحسوس للناس وتطورهم وتحولهم من حال الى حال، ويقول الله تعالى في سورة الحج: (يا أيها الناس ان كنتم في ريب (يعني في شك) من البعث (يعني حياتكم بعد مماتكم) فإنا خلقناكم من تراب (يعني من العناصر التي يتركب منها جسم الانسان لأنها نفس العناصر التي تتركب منها تربة الأرض، وهذا ثابت علميا) ثم من نطفة ثم من علقة (يعني الدم المتجمد الغليظ) ثم من مضغة (وهي قطعة اللحم بقدر ما يمضغ) مخلقة وغير مخلقة (يعني منتظمة الشكل وغير منتظمة) لنبين لكم ونقرّ في الأرحام ما نشاء (يعني من ذكر أو أنثى) إلى أجل مسمى (الى حين الولادة) ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يردّ إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا) يعني يفقد الذاكرة وينسى بلوغه السن الكبيرة جدا.
غاية سامية
ثم بعد ذلك يضرب الله مثلا في الأرض (وترى الأرض هامدة) «يعني ساكنة» (فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت) وتحركت بتحرك عناصر النبات في جوفها (وربت) يعني انتفخت (وأنبتت من كل زوج بهيج ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور) ولا تكاد تخلو سورة في القرآن الكريم من الحديث عن اليوم الآخر والبعث والنشور، ويعتبر الايمان باليوم الآخر ركنا من أركان العقيدة لأنه يجعل لحياتنا غاية سامية وهدفا أعلى وهذه الغاية هي فعل الخيرات وترك المنكرات والتحلي بالفضائل والتخلي عن الرذائل وكذلك مجازاة المكلفين من الناس بما عملوه في هذه الدنيا فهم متفاوتون تفاوتا كبيرا في ارزاقهم وآجالهم واعمالهم وفي سعادتهم وشقائهم، فمنهم الظالم المتجبر ومنهم المظلوم المهضوم ومنهم الصحيح السليم، ومنهم المريض السقيم، ومنهم الغني الثري ومنهم الفقير والشقي ومنهم العزيز ومنهم الذليل ومنهم المحسن ومنهم المسيء وكلهم يموت فلو كانوا لا يبعثون لكان ذلك منافيا للحكمة ومن هنا قضى الله تبارك وتعالى بالبعث والجزاء وعمق الوازع النفسي الذي يرغّب في الخير ويصدّ عن الشر وذلك بكثرة التذكر والتنبيه والتفنن في ضرب الأمثال المتنوعة في القرآن لليوم الآخر وللبعث حتى يعمق جذوره ويحقق الغاية منه فيرجع المنكر عن انكاره ويصحح المخطئ خطأه، وبالعقل تثبت قدرة الله لإعادة الخلائق بعد فنائهم، اذ إعادتهم ليست بأصعب من خلقهم وايجادهم على غير مثال سابق.