عكست نتائج الزيارة التي قام بها الرئيس سعد الحريري الى دمشق موقفا سوريا دقيقا و«.متوازنا» ازاء التطورات الأخيرة في لبنان السياسية والأمنية.
فالقيادة السورية تشدد على أهمية وضرورة استمرار أجواء التهدئة والاستقرار، وعلى «أمن العاصمة بيروت»، وبالتالي هي ضد أي شكل من أشكال العنف واستخدام السلاح في الداخل، ولذلك فإن دمشق كانت منزعجة من اشتباكات برج أبي حيدر، ليس فقط لأنها وقعت بين حليفين لها، وانما لأنها خرقت سقف التهدئة الذي حددته قمة بعبدا الثلاثية. ولكن القيادة السورية تشدد من جهة مقابلة على أهمية وضرورة حماية المقاومة والجيش والنأي بهما عن أي شكل من أشكال الاستهدافات والحملات السياسية تحت أي شعار وعنوان، حتى لو كان من صنف الشعارات الجذابة والقادرة على استقطاب الرأي العام والتي تتحدث عن بيروت آمنة ومنزوعة السلاح. ولذلك فإن دمشق كانت منزعجة من «التضخيم والاستغلال السياسي» الذي جرى لأحداث بيروت وفي الاتجاه الذي يؤدي الى حشر حزب الله وزيادة الضغوط عليه في هذه المرحلة، أو الذي يوحي بأن هناك محاولة للدخول على خط العلاقة بين حزب الله ودمشق والإيحاء بوجود تباين في المصالح وادارة الأوضاع.
ما تسرّب عن لقاء الاسد الحريري على قلته يفيد بان دمشق باقية على التزامها بموجبات العلاقة الناشئة مع الحريري ومازالت في طور اعادة بناء الثقة، بما في ذلك التزامها بتوفير الحماية السياسية لحكومة الوحدة الوطنية ورئيسها، وتوفير الحماية المعنوية لبيروت وأمنها. ولكن دمشق غير الراضية تماما عن الأداء السياسي لحليفها الجديد الرئيس سعد الحريري تراعي موقف حليفها الثابت حزب الله وتأخذ في الاعتبار مآخذه وانتقاداته المرتفعة حجما ووتيرة ضد الحريري وحلفائه في 14 آذار والتي تحولت بعد أحداث بيروت الى حملة منظمة، مستندة الى قرار اتخذه حزب الله بفتح النار السياسية على الحريري، ومركزة على النواحي التالية:
1- استقواء الحريري بسوريا والعلاقة التي أقامها مع الرئيس بشار الأسد لرفع سقفه السياسي، وفي ظل «قراءات رهانات» لدى فريقه بوجود تباينات سورية - ايرانية في هذه المرحلة تعكس ارتباكا في علاقة حزب الله مع سورية.
2- علاقة الحريري مع الأسد تبدو حتى الآن مجرد علاقة شخصية حميمة أكثر منها علاقة سياسية قائمة على أسس واضحة ونهائية، بدليل ان القضايا التي فرقت أساسا بين دمشق وحكومة السنيورة مازال الحريري ملتزما بها، بل يبدو أحيانا أكثر تشددا فيها، كما ان التقارب بين الحريري ودمشق برعاية وتشجيع من المملكة العربية السعودية يتم على خلفية واستراتيجية ايجاد مسافة بين علاقات سورية وكل من الحريري وحزب الله وعدم ربط العلاقة السورية - الحريرية بتحسن العلاقة بين حزب الله والمستقبل.
3- موقف الحريري من «القرار الظني» المزمع اصداره خلال أشهر مازال في دائرة «الغموض والابهام»، فالاجتماعات التي عقدها معه حزب الله (عبر الحاج حسين الخليل) لم تصل الى نتيجة والموقف المنتظر منه (موقف سلبي من القرار الظني) لم يصدر حتى الآن ولا مؤشرات على صدوره قبل صدور القرار الظني.
4- أداء الحريري بعد اندلاع اشتباكات بيروت والطريقة التي تفاعل بها مع هذه الأحداث عمقا أزمة الثقة معه. ويتوقف حزب الله هنا عند «ملاحظات ومفارقات» منها جولة الحريري في شوارع بيروت التي يعتبرها الحريري تفقدية لاحتواء نقمة الشارع فيما يراها حزب الله تصب في استنفار وتعبئة الشارع، والمسارعة الى طرح «بيروت منزوعة السلاح» والتحدث عن قرارات جريئة ستتخذ عبر لجنة وزارية شكلت لهذه الغاية من دون الوقوف على رأي حزب الله الذي يصف هذا المشروع بانه مشبوه في توقيته وأهدافه وفي سياق عملية جارية لمحاصرته والضغط عليه في موضوعي المحكمة الدولية والسلاح، وتقديم تنازلات في المجالين بالتراجع عن اثارة موضوع شهود الزور والموافقة على سحب السلاح من بيروت كمرحلة أولى قبل ان يصار الى تعميم هذه التجربة على المناطق الأخرى. بعد كل ذلك، هل تنجح دمشق في احتواء الوضع وتجنب أزمة حكومية بدءا من سحب مشروع بيروت منزوعة السلاح من التداول؟