تعرضت فكرة إقامة روابط بين دول غربية وزعماء عرب يتدنى في بلادهم وضع حقوق الإنسان لمكافحة الإرهاب، للتدقيق مؤخرا بعد الإطاحة بالرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي الذي صوّر نفسه على أنه حائط صد في مواجهة القاعدة.
ولطالما انتقد المدافعون عن الديموقراطية في الشرق الأوسط الغرب لتكثيف التعاون مع أجهزة أمن عربية بعد هجمات 11 سبتمبر قائلين ان الثمن الضمني الذي يحصل عليه الحكام العرب هو التخفيف من الانتقادات الغربية فيما يتعلق بالحكم القمعي الفاسد.
ويقول محللون ان ما يظهر من استعداد الغرب للتنازل عن القيم الديموقراطية من أجل الحصول على معلومات بشأن المتشددين الإسلاميين أثار استياء في العالم العربي تستغله جماعات معارضة كما تستغله القاعدة.
وتقول جماعات المجتمع المدني إن الحكومات التي تربطها علاقات ودية بالولايات المتحدة ودول غرب أوروبا هي من أشد أعداء الديموقراطية وانها تقمع جماعات إسلامية سلمية تسعى للسلطة من خلال انتخابات ديموقراطية.
وعرف الزعماء العرب أن ثمن تجاهل المحاضرات الغربية عن حقوق الإنسان ليس فادحا.
وقال فرانسيس جيلز الباحث في مركز برشلونة للشؤون الدولية لـ «رويترز» انه في حين لا يتوقع أحد تغييرا مبكرا أو جذريا في السياسة الأمنية الغربية فإن هناك حاجة عاجلة لتفكير جديد.
وقال «علينا أن نخرج هذه التحليلات الحمقاء من عقولنا، انه إما القمع أو القاعدة».
وأضاف «كان شعار المعركة ضد التطرف الإسلامي يعني أننا أغلقنا أعيننا ـ أكثر مما اعتدنا ـ خلال السنوات العشر الماضية عما يعتزم الزعماء القيام به».
وقال جيلز ان التحول المستقر إلى الحكم النيابي في تونس بعد الإطاحة بالرئيس ربما يشبه «المختبر» للتجدد السياسي العربي ليكون مثلا قويا للتغيير الذي ربما يدفع الغرب في نهاية الأمر للتركيز أكثر على تشجيع حقوق الإنسان.
وفي نهاية الأمر لم يكن مقاتلون من القاعدة، أو حتى جماعات إسلامية سلمية، هم من أنهوا حكم بن علي بل المواطنون العاديون الذين كانوا يحتجون على الفقر والمحسوبية.
وقال العربي صادقي وهو محاضر في سياسة الشرق الأوسط بجامعة «اكستر» إن توقع أن تكون هذه الحقائق المتعلقة بالثورة التونسية مصدر إلهام لأي تغيير مبكر في السياسة الأمنية الغربية تجاه المنطقة «مجرد أماني» لكن من المهم إدراك ان هناك مخاطر في الوضع الراهن.
وقال جوان كول وهو أستاذ لتاريخ الشرق الأوسط في جامعة «ميتشيغان» ان تونس كانت تذكرة بأن «الإذعان إلى، بل ومساندة، الطغيان والتعذيب وما إلى ذلك يمكن أن يكون له رد فعل عكسي كما حدث في إيران (مع الثورة الإسلامية) في 1978 و1979».
وبدأ التشوش في السياسة الغربية جليا هذا الأسبوع عندما رفضت فرنسا استقبال بن علي في انقلاب تام من جانب إدارة فرنسية كانت معجبة بهذا الحاكم التونسي القوي المحنك شأنها شأن الكثير من الإدارات السابقة.
كانت الأجواء مختلفة تماما عندما زار الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي تونس في ابريل عام 2008 وألقى كلمة رفض فيها المخاوف المتعلقة بوضع حقوق الإنسان في تونس.
وصوّر ساركوزي جهود مكافحة الإرهاب لزين العابدين بن علي باعتبارها درعا في مواجهة ظهور نظام على غرار طالبان في شمال افريقيا.
من جهته، قال مايكل ويليس المحاضر في الشؤون السياسية لشمال افريقيا بجامعة «أوكسفورد» ان فرنسا «هي الأسوأ ولا شك» في التساهل الشديد مع حكم بن علي لكن الكثير من الدول الغربية متواطئة أيضا.
واعتبر بعض المحللين كلمة ألقتها وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في قطر يوم 13 يناير والتي طالبت فيها بتحسين أحوال الحكم في المنطقة باعتبارها دليلا على أن إعادة ترتيب الأولويات الأميركية في المنطقة أصبحت امرا مطروحا.
وقالت كلينتون إن الدول في أنحاء منطقة الشرق الأوسط عليها أن تصلح المؤسسات الفاسدة وتحيي الأنظمة السياسية الراكدة وإلا فإنها يمكن أن تنهزم في المستقبل في مواجهة المتشددين الإسلاميين.
لكن روجر كريسي وهو مستشار سابق في شؤون مكافحة الإرهاب للرئيس بيل كلينتون والرئيس جورج بوش الابن قال انه لا يتوقع إعادة تقييم شاملة للروابط الأمنية مع الدول العربية «لأن خطر الإرهاب مازال قائما وملحا».
ويتعين على حكومات غربية أن تحقق توازنا بين المقتضيات الميدانية قصيرة الأجل مثل التعاون في مواجهة القاعدة، وهو الأهداف طويلة الأجل في مجال السياسة مثل الحث على إجراء إصلاحات اجتماعية وسياسية.