قبل أن تلتقط حكومة محمد الغنوشي الجديدة التي طعمها بـ 3 وزراء معارضة وأبقى فيها على ست من وزراء نظام زين العابدين بن علي الهارب، انفاسها، خرج آلاف التونسيين في مظاهرات عديدة لإعلان رفضهم تشكيلة الحكومة المؤقتة وتوجهوا الى مقرات حزب التجمع الدستوري الديموقراطي الحاكم مطالبين بإقصائه كليا عن الحكومة.
وقالت وكالات الأنباء ان قوات الامن استخدمت الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين لاسيما في العاصمة تونس.
ورغم أن الغنوشي دافع عن احتفاظ وزراء الداخلية والخارجية والدفاع في النظام السابق اضافة الى الغنوشي نفسه بمناصبهم في الحكومة المؤقتة على اعتبار أن «أيديهم نظيفة»، وأنهم «احتفظوا بمناصبهم لأننا نحتاجهم الآن»، تصاعدت حدة الاحتجاجات السياسية وتضاربت الانباء حول انسحاب أو تجميد عضوية عدد من وزراء مجموعة من الاحزاب المعارضة.
فقد أعلن الاتحاد العام للشغل (أكبر نقابة عمال في البلاد) ان ثلاثة وزراء يمثلونه سينسحبون من حكومة الغنوشي.
وقال عبيد البريكي مساعد الامين العام لاتحاد الشغل للتلفزيون التونسي ان القرار اتخذ بسبب استمرار وجود أعضاء حزب التجمع الدستوري الديموقراطي الحاكم حزب الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي في الحكومة. وأضاف أن القرار هو استجابة لمطالب الناس في الشوارع.والوزراء الثلاثة الذين أسندت إليهم مناصب صغيرة في الحكومة الجديدة هم حسين ديماسي وزير التكوين المهني والتشغيل ووزيرا دولة هما عبد الجليل البدوي وأنور بن قدور.
تجميد عضوية
من جهته، جمد المعارض التونسي مصطفى بن جعفر الأمين العام لحزب التكتل من أجل العمل والحريات عضويته في حكومة الوحدة الوطنية ليلتحق بذلك بالاتحاد العام التونسي للشغل، وقد أسندت الى مصطفى بن جعفر حقيبة الصحة.
في المقابل، أكدت حركة التجديد (الحزب الشيوعي سابقا) أنها دخلت الحكومة «تجنبا للفراغ الذي يهدد البلاد وأمنها واستقرارها وحماية لثورة الشعب وعلى أساس ما أعلن عنه الوزير الأول من ضرورة الفصل بين أجهزة الدولة والتجمع الدستوري الديموقراطي».
وطالبت حركة التجديد التي حصلت على وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في بيان وزعته أمس باستقالة جميع الوزراء الذين ينتمون إلى الحزب الحاكم سابقا وتجميد الممتلكات والحسابات البنكية لهذا الحزب باعتبارها ممتلكات الشعب.وهددت حركة التجديد في بيانها بالتراجع عن موقفها من المشاركة في هذه الحكومة إذا لم تتحقق هذه المطالب بصفة عاجلة.
وقد تواترت أنباء عن انسحاب المخرجة السينمائية مفيدة التلاتلي من هذه الحكومة بعدما أسندت إليها وزارة الثقافة، لكن معلومات اخرى اشارت الى انها عدلت عن الانسحاب بعد مشاورات مع الوزير الاول، وأنها عادت وأدت اليمين الدستورية كوزيرة للثقافة.
من جهة أخرى، عاد المعارض التونسي منصف المرزوقي رئيس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية غير المعترف به قانونيا ظهر أمس إلى تونس بعد سنوات عدة من الإقامة في العاصمة الفرنسية باريس.
واستقبل المرزوقي في مطار قرطاج عددا هاما من أعضاء حزبه الذين رفعوا شعارات مناهضة لحكومة الوحدة الوطنية التي أعلن مساء أمس عن تشكيلتها.
واعتبر المرزوقي أن الشعب التونسي «اكتسب حريته ولا مجال إلى العودة إلى الوراء» وشدد على ضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية «تضم كل الأحزاب باستثناء التجمع الدستوري الديموقراطي وتقطع معه».
من جهة أخرى، أعرب الوزير الأول الغنوشي عن معارضته لعودة زعيم الإسلاميين التونسي راشد الغنوشي، المحكوم عليه بالسجن مدى الحياة عام 1991، من منفاه في لندن، مؤكدا على ضرورة أن يتم إقرار قانون عفو أولا قبل عودة راشد الغنوشي إلى البلاد.
الغنوشي: وليلى الطرابلسي كانت تحكم تونس
وفي سياق آخر قال رئيس الوزراء التونسي إنه كان يشعر بأن ليلى الطرابلسي بن علي قرينة الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي هي التي تحكم البلاد في نهاية عهد بن علي.
واعتبر الغنوشى ـ في حديث لراديو «أوروبا رقم 1» الفرنسي أمس ـ أن تونس تعيش حاليا بعد أيام من رحيل زين العابدين بن علي «تحولا تاريخيا»، حيث تعبر إلى مرحلة جديدة تفتح آفاق مهمة للشعب والشباب الذي تواجد بكثافة في الشارع خلال الأسابيع الماضية للاعتراض على حزب بن علي الذي حكم البلاد منذ 23 عاما.
وأكد رئيس الوزراء التونسي أن عائلة زوجة بن علي يتعين أن تحاكم أمام القضاء.. متعهدا بأن تلقى عائلة الطرابلسي محاكمة عادلة.. وفى المقابل لم يتحدث الغنوشي عن إمكانية محاكمة زين العابدين بن علي نفسه.
واعتبر أن «بن علي» قدم الكثير لتونس في سنوات حكمه الأولى، ولكن في السنوات الأخيرة حدثت تغيرات كبيرة نتيجة الثراء غير المشروع للمحيطين به، وبدا أن ليلى بن علي هي التي تحكم البلاد.
واعترف الغنوشي بأن ثورة المجتمع التونسي على حكم بن علي تأخرت، إلا أن هناك فرصة لتعويض ما فات من خلال التوافق الوطني الذي يتعين عليه أن يسمح بالإسراع في تطبيق إصلاحات سياسية كبيرة.
ولم تنفع تعهدات الغنوشي بمعاقبة جميع المسؤولين عن التصدي العنيف للمتظاهرين، حيث خرج آلاف التونسيين منددين بالحكومة الوليدة، بينما استخدمت الشرطة التونسية القنابل المسيلة للدموع لفض المتظاهرين في العاصمة تونس. وقال مصورو رويترز ان من شاركوا في الاحتجاج كان معظمهم من انصار المعارضة ونقابيون وانها كانت سلمية لكن الشرطة فضتها. وقال أحد المحتجين «نعم. نريد حكومة وحدة وطنية من الشعب.. من الثوريين».
في غضون ذلك، قال أشخاص في أجزاء عدة من تونس أمس إنهم سمعوا أصوات أعيرة نارية متفرقة الليلة قبل الماضية لكنها كانت أقل بكثير من إطلاق النار خلال الليالي السابقة.
من جانبه، أكد وزير الخارجية التونسي كمال مرجان أمس ان مهمة ووقت حكومة الوحدة الوطنية التي شكلت امس الأول محددان.
وقال مرجان في مؤتمر صحافي عقده في شرم الشيخ على هامش مشاركته في اعمال الاجتماع الوزاري لوزراء الخارجية العرب تحضيرا للقمة الاقتصادية اليوم، ان الحكومة التونسية المؤقتة ستعمل على الاعداد الجيد للمؤسسات والتحضير للانتخابات الرئاسية.
واوضح ان هناك لجانا شكلت برئاسة عدد من الشخصيات الوطنية التي تحظى باحترام الشعب التونسي للنظر في قضايا الفساد والاصلاح السياسي، مشيرا الى ان قضية البطالة من اهم التحديات التي يواجهها التونسيون.
وذكر مرجان ان الشعب التونسي اثبت انه على وعي عال لاسيما الشباب منهم حين قاموا بجهود وطنية كبيرة لحماية احيائهم في ظل الانفلات الامني الذي صاحب البلاد في الايام الماضية.
وأضاف ان هناك تعاونا جيدا بين الجيش والامن الداخلي للمحافظة على استقرار الاوضاع في البلاد مشيرا الى ان المواجهات التي حصلت في السابق كانت بين الجيش والامن الرئاسي وليس الجيش والامن الداخلي.داعيا لعدم «الخلط بين جهاز الامن الرئاسي في تونس الذي بالفعل وقعت اشتباكات بينه وبين قوات الجيش أمام القصر الجمهوري وبين قوات الامن الداخلي التي تتعاون مع الجيش في حفظ الامن».
واشار مرجان الى ان حضوره لتمثيل بلاده في القمة الاقتصادية يهدف لمناقشة الاوضاع الاقتصادية والتنموية التي تشغل الوطن العربي بشكل عام مبينا ان الاحداث الاخيرة لن تغير مسار القمة الاقتصادي.