في ختام يوم ثامن من التظاهرات في مختلف مناطق مصر جمع ما يتجاوز الـ 8 ملايين بحسب مصادر المعارضة وأكثر من مليون بحسب مصدر أمني رسمي هتفوا طيلة النهار برحيله، أعلن الرئيس المصري محمد حسني مبارك أنه لن يترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة، مؤكدا أنه سيعمل خلال الأشهر المتبقية من ولايته الحالية على اتخاذ التدابير والإجراءات المحققة للانتقال السلمي للسلطة بموجب ما يخوله له الدستور من صلاحيات، قائلا: «هذا عهدي الى الشعب خلال ما تبقى من ولايتي كي اختتمها بما يرضي الله والوطن وأبناءه».
واضاف الرئيس المصري في تأكيد لاستعداده لتسليم منصب الرئاسة في نهاية ولايته ان «مسؤولياتي الاولى الآن هي استعادة امن واستقرار الوطن لتحقيق الانتقال السلمي للسلطة في اجواء تحمي مصر والمصريين، وتتيح تسلم المسؤولية لمن يختاره الشعب في الانتخابات الرئاسية المقبلة».
وشدد الرئيس المصري في كلمة ألقاها مساء امس وأذاعها التلفزيون المصري على انه لم يكن يعتزم الترشح لفترة رئاسية جديدة داعيا الشعب بكل طوائفه للمشاركة في استعادة أمن الوطن لتحقيق الانتقال الآمن للسلطة خلال الانتخابات المقبلة.
وأضاف مبارك «إنني لم أكن يوما طالب سلطة أو جاه وليس هذا من طبعي وطوال حياتي خدمت الوطن في الحرب والسلام، لذلك سأعمل خلال الأشهر الباقية من رئاستي للانتقال السلمي للسلطة».
وتابع مبارك قائلا «لقد عشت طوال حياتي في خدمة هذا الوطن والعمل على استقراره وسأموت على ترابه».
ودعا الرئيس مبارك البرلمان الحالي بمجلسيه الشعب والشورى إلى مناقشة تعديل المادتين «76» و«77» من الدستور بما يعدل شروط الترشح لرئاسة الجمهورية ويعتمد فترات محددة للرئاسة.
وطالب الرئيس حسني مبارك البرلمان بالالتزام بكلمة القضاء وأحكامه في الطعون على الانتخابات التشريعية الأخيرة دون إبطاء، قائلا: إنه سيتابع تنفيذ الحكومة الجديدة لتكليفاتها على نحو يحقق المطالب المشروعة للشعب وأن يكون أداؤها معبرا عن الشعب وتطلعه للإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي ولإتاحة فرص العمل ومكافحة الفقر وتحقيق العدالة الاجتماعية.
وكلف في كلمته جهاز الشرطة بالاضطلاع بدوره في خدمة وحماية المواطنين بنزاهة وشرف وأمانة وبالاحترام الكامل لحقوقهم وحرياتهم وكرامتهم.
وطالب الرئيس مبارك السلطات الرقابية والقضائية بأن تتخذ على الفور ما يلزم من إجراءات لمواصلة ملاحقة الفاسدين والتحقيق مع المتسببين فيما شهدته مصر من انفلات أمني ومع من قاموا بأعمال السلب والنهب وإشعال النيران وترويع الآمنين.
وأكد أن أحداث الأيام القليلة الماضية تفرض على الجميع شعبا وقيادة الاختيار ما بين الفوضى والاستقرار وتطرح أمام الجميع ظروفا جديدة وواقعا مصريا مغايرا يتعين أن يتعامل معه الشعب وقواته المسلحة بأقصى قدر من الحكمة والحرص على مصالح مصر وأبنائها. مشيرا إلى انه دعا القوى السياسية للحوار لكنها قابلت دعوته بالرفض، مشددا على ان دعوته للحوار لاتزال قائمة
رد الشارع والبرادعي
ولكن سرعان ما جاء رد الشارع برفض ما جاء في خطاب الرئيس هاتفين «ارحل.. ارحل» وهو ما اعلنه المعارض البارز د.محمد البرادعي في حديثه لتلفزيون العربية حيث رفض الاجراءات التي اعلن عنها الرئيس مبارك قائلا: ان اقتراحات مبارك «عملية خداع لن تنطلي على احد».
واضاف قائلا: «مبارك يطيل فترة عدم الاستقرار في مصر ويجب ان يستقيل». وقال انه «لن يكون هناك اي فراغ اذا رحل مبارك».
وقال البرادعي الحاصل على جائزة نوبل للسلام ان «ما تعيشه مصر هو الفوضى واستقالة مبارك ستعيد الاستقرار».
وكان مسؤول أميركي قد قال امس قبيل خطاب مبارك ان المبعوث الخاص للرئيس باراك اوباما تحدث مع الرئيس المصري بشأن الحاجة للإعداد «لانتقال سلس» للسلطة في البلاد.
وكان قد اجتمع السفير المتقاعد فرانك ويزنر مع مبارك. وقالت صحيفة «نيويورك تايمز» ان ويزنر نقل رسالة من الرئيس باراك أوباما بأنه يتعين على مبارك الا يرشح نفسه لولاية جديدة في الانتخابات التي تجرى في سبتمبر.
وأكد مسؤولون أميركيون اجتماع ويزنر مع مبارك وتسليمه رسالة بشأن الحاجة للاستعداد «لانتقال سلس».
مظاهرات متنوعة
وكانت قد تنوعت المظاهرات أمس بين مليونية مطالبة بالتغيير، تجاوزت 8 ملايين في معظم المحافظات بحسب مصادر المعارضة وأكثر من مليون بحسب مصدر أمني رسمي، ومظاهرات مؤيدة ومطالبة ببقاء الرئيس محمد حسني مبارك.
وفيما طالبت المظاهرات التي نظمها أنصار الحزب الوطني ببقاء مبارك ودعا آخرون الى اعطائه فرصة حتى انتهاء ولايته الحالية نهاية العام، احتشد مئات الآلاف من المصريين بعد ظهر أمس في ميدان التحرير وسط القاهرة استجابة للدعوة الى تظاهرة «مليونية» التي اطلقها «شباب الانتفاضة».
وابدى المحتجون اطمئنانا تاما الى جنود الجيش المصري المتمركزين بدباباتهم في ميدان التحرير خصوصا ان الجيش تعهد في بيان رسمي بأنه «لم ولن يستخدم القوة ضد الشعب المصري» واصفا مطالبهم بانها «مشروعة».
لكن وفي بيان آخر أمس حذر الجيش المتظاهرين من المخربين داعيا الى الالتزام بالسلم في مظاهراتهم.
وجاء في البيان: «من حقكم التعبير عن آرائكم ومطالبكم بشكل حضاري وإنساني إلا أن عدم التزام العناصر المنحرفة والهدامة يتسبب في نشر الذعر وأعمال السرقة والنهب والتخريب مما قد تضطر القوات المسلحة معه إلى التعامل مع هذه العناصر أيا كانت بكل شدة وطبقا للقانون وحفاظا على أمن وسلام الوطن والمواطنين».
من جهتها، دعت خمسون منظمة حقوقية مصرية في بيان مشترك أمس الرئيس المصري الى «الانسحاب حقنا لدماء المصريين».
وطالبت «بإصدار دستور جديد للبلاد من خلال جمعية وطنية مشكلة من ممثلي الاحزاب والقوى السياسية والمجتمع المدني».
المعارضة تدعو
بدورها، قالت «اللجنة الوطنية لتحقيق مطالب الشعب» التي تضم المعارض البارز محمد البرادعي وممثلين لقوى المعارضة الرئيسية ومنها الاخوان المسلمون انها لن تدخل في تفاوض مع الدولة حتى يرحل رئيس الجمهورية عن موقعه»، بحسب بيان تلقته وكالة فرانس برس. واعلنت اللجنة التي شكلت قبل يومين انها «لن تدخل في تفاوض حتى يرحل رئيس الجمهورية (حسني مبارك) عن موقعه وعندها يبدأ التفاوض الجماعي من اجل الانتقال السلمي للسلطة وتحقيق مطالب الشعب».
رحيل آمن قبل الجمعة
من جانبه دعا البرادعي في مقابلة مع قناة العربية الرئيس المصري الى ان يترك السلطة قبل يوم الجمعة المقبل الذي اطلق عليه المتظاهرون «جمعة الرحيل».
وفي وقت لاحق قد أعلن مسؤول أميركي لوكالة فرانس برس، ان سفيرة الولايات المتحدة في القاهرة مارغرت سكوبي تحدثت هاتفيا مع البرادعي اما الحركات الاحتجاجية الشبابية التي اطلقت انتفاضة الخامس والعشرين من يناير فأكدت على لسان احد قيادييها انها ستختار ممثلها للحوار مع الدولة «ولكن بعد تنحي الرئيس».
وقال شادي الغزالي حرب (32 سنة)، وهو طبيب جراح تخرج في جامعة القاهرة ثم نال درجة الدكتوراه في زراعة الكبد من احدى الجامعات البريطانية، لوكالة فرانس برس ان «الشباب الليبرالي سيكون له الاثر الاكبر في مسيرة مصر ما بعد مبارك». واوضح ان شباب الحركات الاحتجاجية «سيختارون ممثليهم من بين عدة شخصيات مطروحة ابرزها محمد البرادعي والحائز على جائزة نوبل وأحمد زويل الحائز أيضا على جائزة نوبل».
عمرو موسى
من جانبه اكد الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى في مقابلة مع قناة العربية دعمه للتغيير في مصر ولكن عبر الحوار، مبديا استعداده لتولي اي منصب لخدمة بلاده اذا ما طلب منه ذلك. لكن موسى لم يتخذ موقفا مباشرا من المطالبات بتنحية الرئيس حسني مبارك. وقال ان «هذا المطلب يجب ان يكون محل الحوار القادم وان تسير الامور بسلاسة وسلام وبلياقة».