يمسك الجنرالان وزير الدفاع والإنتاج الحربي محمد طنطاوي ورئيس هيئة الأركان الفريق سامي عنان حاليا بدفة الحكم في مصر بعد تنحي الرئيس حسني مبارك إلى حين إجراء انتخابات في وقت لاحق من العام، ورغم التقارير التي تشير إلى أن الأول لا يرفض التغيير من حيث المبدأ، إلا أن عنان يعتبر معارضا شرسا له، والسؤال الذي تطرحه «نيويورك تايمز» هو ما إن كانا - مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة - على استعداد لاقتسام السلطة مع بقية المصريين الذين حرموا منها.
المؤشرات الأولية مبشرة، فكل من الرجلين اكتسب شيئا من الصدقية والقبول في أوساط الشعب بنزوله إلى الشارع واختلاطه بالمتظاهرين وطمأنتهم إلى أنه لن يصدر الأمر بإطلاق النار عليهم.
على أن الصحيفة تستشهد بالعسكريين الأميركيين الذين عملوا مع الرجلين، لتخلص إلى ان عنان لا يرفض التجديد من حيث المبدأ، لكن طنطاوي معارض له، ولهذا فالأرجح أن كلا منهما - في انحيازه إلى جانب المتظاهرين - كان يعتبر أن حماية مكانة المؤسسة العسكرية وصدقيتها تأتي فوق حماية الرئيس.
ولطنطاوي (75 عاما) اليد العليا قياسا إلى عنان بفضل منصبه وسنوات خدمته. ومع أن الضباط من الرتب المتوسطة - والشارع أيضا - كانوا يصفونه بأنه «تابع للرئيس السابق حسني مبارك» - كما ورد في برقيات الديبلوماسيين الأميركيين المسربة على ويكيليكس، فإن الضباط الأميركيين الذي يعرفونه شخصيا يقولون إنه سياسي محنك، أدى دورا خفيا ومهما في إسدال الستار على عهد الرئيس السابق مبارك.
على أن العسكريين الأميركيين يعتقدون العكس عن رئيس هيئة الأركان عنان (62 عاما)، ويقولون إنه لم يسع مطلقا إلى أي شيء غير هويته العسكرية، رغم اعترافهم بأنه ذكي وقادر على التجديد. هذا إضافة إلى أن ما يميزه عن طنطاوي هو صغر سنه النسبي.
ولكونه قائدا للمجندين الآتين بقوة القانون من سائر الشرائح الاجتماعية يجعله لصيقا بالشارع. وكان هو من طمأن المسؤولين الأميركيين بأن الجيش لن يطلق النار على المتظاهرين، وإن كان يسعى إلى حماية مؤسسات الدولة ومبانيها من غضبهم.
وتكشف البرقيات الديبلوماسية في ويكيليكس اتفاق القيادة العسكرية المصرية مع نظيرتها الأميركية فيما يتصل بهموم الشرق الأوسط الإقليمية. وعلى سبيل المثال، فهي توضح قلق الفريق عنان بشكل خاص إزاء قوة إيران ونفوذها في المنطقة. وتبعا لبرقية تعود إلى أبريل 2009 فقد شدد الفريق على «أهمية حل النزاع العربي ـ الإسرائيلي من أجل وقف تدخل طهران في شؤون الآخرين». وبعد مضي ثلاثة أشهر على هذا التاريخ، هنأ الجنرال ديفيد باتريوس، قائد القيادة الأميركية المركزية وقتها، عنان على «نجاح مصر في احتواء حماس وثلم النفوذ الإيراني بالتالي».
على أن هذه الدفعة من البرقيات نفسها لم تكن عطوفة بطنطاوي،، فقد أوضحت أن الديبلوماسيين والعسكريين الأميركيين يعتبرونه مقربا أكثر مما ينبغي إلى مبارك ومعارضا لأي تغيير، ليس في مهمة المؤسسة العسكرية بما يتواءم والتهديدات الأمنية الجديدة وحسب، وإنما لأي إصلاحات اجتماعية في البلاد أيضا.
وتبعا لتلك البرقيات، فعندما خرج المصريون إلى الشوارع احتجاجا على أزمة الخبز في مارس 2008، «ظل المشير طنطاوي يعارض، داخل مجلس الوزراء الذي يتمتع فيه بنفوذ كبير بفضل قربه من مبارك، أي محاولة للإصلاح السياسي أو الاقتصادي، باعتبار أي منهما خطرا على سلطة الحكومة المركزية».
تتوصل هذه البرقية إلى نتيجة مفادها أن «طنطاوي والرئيس السابق حسني مبارك يركزان كل جهودهما فقط على استقرار النظام والحفاظ على الوضع الراهن، كما هو».
ويتفق الأميركيون الخبراء في الشؤون العسكرية المصرية مع ما تذهب إليه هذه البرقية. ويقول أنتوني كوردسمان، من «مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية» إن «المشير طنطاوي ظل يعطي الانطباع بأنه تابع لمبارك. ويأتي هذا من ولائه الكامل له، وبشكل حرم به نفسه من الإقدام على أي شكل من أشكال التغيير».
ويقارن كوردسمان أخيرا بين المشير طنطاوي والفريق عنان بقوله إن هذا الأخير «يتمتع بخصلة أنه أكثر تقدمية من المشير، وأنه أكثر فهما لما يدور في العالم الخارجي، لكن المشكلة هي أن كلا الرجلين لم يجرب الحكم من قبل».
موقع إسرائيلي: طنطاوي ليس صديقاً
أكد موقع دبكا الإسرائيلي أمس من أن قادة إسرائيل السياسيين والعسكريين أصبحوا يعملون ويخططون على فرضيتين أساسيتين:
1 ـ حكام مصر الجدد من العسكريين لن يفرطوا في معونات الولايات المتحدة العسكرية لمصر والبالغة 1.3 مليار دولار سنويا، والتي تتضمن أيضا إطلاعهم على آخر ما توصلت إليه التكنولوجيا الأميركية، كما أن إدارة أوباما ستضغط في فرض شرط على العسكر المصريين يقضي بربط المساعدات الأميركية بالحفاظ على معاهدة السلام مع إسرائيل.
وعلى فرض أن معاهدة السلام ستصمد في الأشهر الأولى من الحكم الانتقالي في مصر، سيظل خطر عدم وجود ضمانات ببقاء المعاهدة سارية المفعول في مراحل لاحقة.
2 ـ إسرائيل تعول على الجنرال عمر سليمان، الرجل الذي أدار مخابرات مصر وخدم كنائب للرئيس المصري السابق حسني مبارك لمدة ثمانية أيام، في الحفاظ على العهد بعد سنوات عديدة من التعاون الوثيق في مجال السلام مع إسرائيل.
ويمضي الموقع في القول إن إسرائيل كانت تراهن على الجواد الخطأ عندما أملت أن يخرج سليمان في خضم المد الهائل من الاحتجاجات المصرية رئيسا لمصر خلفا لمبارك. فاستقالة مبارك الجمعة الماضية، سلبت سليمان في أول ما سلبت منصبه كنائب للرئيس، بينما تحوم الشكوك حول وضعه كعضو في المجلس العسكري الحاكم. ومن المتوقع أن يقوم العسكر بتثبيت أقدامهم أولا، ومن ثم سيبدأون السباق لتبوؤ رأس الهرم. سليمان وطنطاوي لهما تاريخ طويل من التنافس الذي تطور في مناسبات عديدة إلى خلاف، ولكن مبارك كان دائما صمام الأمان لفض الاشتباك بين الاثنين وعدم تطوره إلى مواجهة مباشرة، إلا أن معظم تدخلات مبارك كانت تتم بالتحيز إلى سليمان.
ويتابع: «طنطاوي ليس من محبي إسرائيل أو من المعجبين بها، لذلك قد يلجأ سليمان إلى تجنب الظهور بمظهر المؤيد القوي لإسرائيل أو الولايات المتحدة كي يستطيع منافسة طنطاوي، وبالتالي ستفاجأ إسرائيل بأن كافة الأبواب قد أغلقت في وجهها».