فيما تسعى مصر إلى بناء نظام سياسي جديد قائم على التمثيل الصحيح بعد استقالة الرئيس حسني مبارك يمكن للولايات المتحدة وأوروبا أن تساعداها كي لا تتحول الدراما المصرية إلى تراجيديا يائسة من خلال حرصهما على أنه تحصل على ما يكفيها من غذاء.
فنقص الغذاء وارتفاع الأسعار كانا من بين أبرز العوامل الكامنة خلف الانفجارات الشعبية في تونس ومصر حيث رفع المتظاهرون أرغفة الخبز واشتكوا من ارتفاع أسعار مواد الغذاء الأساسية مثل العدس في وقت قد تؤدي فيه التكلفة المرتفعة لإطعام مصر التي تعتبر المستورد الأكبر للقمح في العالم إلى الإطاحة بالحكومة المصرية الجديدة.
ولجأت دول عربية وإسلامية أخرى إلى شراء القمح بكميات كبيرة من الأسواق العالمية. فدفعت الجزائر الشهر الماضي ثمنا مرتفعا مقابل 800 ألف طن من القمح فيما تشتري إندونيسيا 800 ألف طن من الأرز.
كما تسعى السعودية والأردن وليبيا وبنغلاديش إلى شراء المزيد من الأسواق العالمية ما دفع منظمة الأمم المتحدة للغذاء والزراعة (الفاو) إلى التحذير من خطر الشراء وسط حالة من الهلع وقالت إن ذلك سيساهم «في زيادة الوضع سوءا».
ومع ارتفاع أسعار الغذاء العالمية هذا الشهر يبدو أن الوضع سيزداد سوءا بعد تقرير نشرته وكالة أنباء الصين الجديدة «شينخوا» قالت فيه إن الصين تواجه أسوأ موجة جفاف منذ 60 سنة.
وأوضحت أن مقاطعة شادونغ التي تعتبر قلب إنتاج الحبوب في الصين ستواجه أسوأ موجة جفاف منذ 200 سنة في حال لم تتساقط كمية كبيرة من الأمطار هذا الشهر.
وتشير التقارير الواردة من شهود إلى ان الأراضي بعد بيجينغ وحتى مقاطعات هيبي وهينان وشادونغ وشانغسو وشنغهاي جافة لدرجة أن الأشجار والمنازل مغطاة بالغبار الناتج من سطح التربة المتطايرة من الأراضي الزراعية.
وقال وزير الزراعة الصيني هان تشانغفو يوم الجمعة الماضي إن حوالي 8 ملايين هكتار من الأراضي المخصصة لزراعة القمح في الشتاء أي حوالي 42% من إجمالي مساحات القمح المزروع في 8 مقاطعات إنتاجية كبرى تأثرت بالجفاف.
وقد زار كل من الرئيس الصيني هو جينتاو ورئيس الوزراء وين جياباو المناطق التي أصابها الجفاف ودعيا إلى بذل كل الجهود الممكنة للتعامل مع نقص المياه.
وقال روبيرت زيغلير مدير معهد أبحاث الأرز الدولي في الفلبين إن «وضع الحبوب في الصين مهم جدا لبقية العالم وفي حال أجبروا على التوجه إلى السوق للحصول على الموارد الكافية للسكان فقد يؤدي ذلك إلى صدمات كبرى في عالم أسواق الحبوب».
وأضاف «يمكنهم شراء كل ما يحتاجون إليه ويمكن أن يزايدوا على الجميع». ويعتبر الغذاء مصدر القلق الأساسي لحكومات الدول المهددة في الشرق الأوسط. فحين تبدأ الصين باستخدام حوالي 3 تريليونات دولار من النقد التي تملكها في أسواق الغذاء العالمية سيقل عدد الدول القادرة على الحد من أعمال الشغب وحتى المجاعات.
وبالطبع لا يملك الجائعون الكثير من الصبر والخيارات وفي حال أرادت الولايات المتحدة وأوروبا أن تحصل التطورات في مصر بطريقة منظمة وسلمية فيجب أن تحرص على أن تكون الواردات الغذائية مفتاحا أساسيا لذلك. وكان العالم سيواجه أزمة غذائية حتى لو لم تتعرض الصين للجفاف.
فموجة الجفاف والحرائق التي ضربت روسيا السنة الماضية وتلتها الفيضانات المدمرة في استراليا والبرازيل أدت إلى تراجع مخزون الغذاء العالمي وارتفاع الأسعار إلى معدلات قياسية مع ما يترافق مع ذلك من عواقب سياسية مثيرة للقلق.
وقال رئيس البنك الدولي روبرت زوليك الأسبوع الماضي «غالبا ما ينفق الناس في الدول النامية نصف أو ثلاثة أرباع مدخولهم على الطعام لذا ليس لديهم هامشا كبيرا»، وأضاف: «مصر مستورد ضخم للقمح وأسعار الغذاء ترتفع لذا بينما نحن في عملية انتقالية يجب أن نفكر كيف نساعد البلاد على تجاوز الخطوات التالية».
وتتفاعل الحكومات حول العالم بطرق مختلفة حيال الأزمة من خلال شراء الاحتياطيات أو تخفيض الأسعار مثلما فعلت إسرائيل الأسبوع الماضي حين خفضت الضرائب المفروضة على الوقود والماء أو من خلال سن تشريعات جديدة.
وقال رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ الأسبوع الماضي إن حكومته ستقترح قانون الحق بالغذاء لضمان شبكة أمان لحوالي 400 مليون فقير هندي ترتفع لديهم معدلات سوء التغذية.
وتشير الأرقام الصادرة عن وزارة الزراعة الأميركية إلى أن مصر هي المستورد الأكبر للقمح في العالم مع 10 ملايين طن سنويا تليها إيران مع 8 ملايين طن. وتستورد الجزائر أكثر من 5 ملايين طن والمغرب 4 ملايين طن فيما تستورد كل من تركيا ونيجيريا 3.5 ملايين طن، لذا فان ثمة خطرا كبيرا في الدول العربية والإسلامية من تصاعد الأسعار. وفي ظل هذه الظروف تبقى الصين عامل التغيير في المعادلة، فهي عادة ما تكون مكتفية ذاتيا من الغذاء وتساهم في تصدير حوالي 20% من إنتاج القمح في العالم وتنتج ضعفي ما تنتجه الولايات المتحدة وروسيا وأكثر بخمس مرات من إنتاج استراليا.
كما تنتج الصين حوالي خمس كمية الذرة في العالم وأغلبها في المقاطعات الشمالية حيث يشتد الجفاف.
وثمة قلق على محصول الأرز في الصين والذي يزرع بمعظمه في الجنوب وهو عرضة للجفاف أيضا بعد أن قال مرصد هونغ كونغ إن المنطقة تلقت نصف كمية المتساقطات المعتادة في ديسمبر 22% وفقط من المتساقطات المعتادة في يناير.
وتواجه الصين فاتورة استيراد مرتفعة كونها أكبر مستورد لفول الصويا في العالم والمستخدم بمعظمه في علف الحيوانات ولديها احتياطي من 50 مليون طن من القمح أي حوالي نصف كمية الحصاد المعتادة كما يمكنها الاعتماد على قدراتها العسكرية لتحفيز الغيوم على المطر.
ولكن في حال كان محصول الأرز والذرة مخيبا للآمال هذه السنة قد تضطر الصين لشراء كميات كبيرة من الأسواق العالمية فتوقع مصر والمغرب والجزائر وإيران في أزمات جديدة.