أدى الرئيس ميشال سليمان اليمين الدستورية في جلسة القسم امس وتلا خطاب القسم الذي طغت عليه روح التوافق، حيث طالب بتبيان الحقيقة في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، وصولا الى احقاق الحق ودعا إلى التوافق على استراتيجية دفاعية تستفيد من طاقات المقاومة. ولا تستخدمها في صراعات الداخل.
وتطرق الخطاب الى العلاقات اللبنانية - السورية، مشيرا الى ضرورة اقامتها على اساس الندية والاحترام المتبادل وان تتجلى بتبادل التمثيل الديبلوماسي بين البلدين.
وعن الوجود الفلسطيني في لبنان اعلن سليمان رفضه القاطع للتوطين ولاتخاذ القضية الفلسطينية ذريعة للتسلح معلنا ضرورة الاهتمام باوضاع اللاجئين الانسانية.
وشكر الرئيس المنتخب دولة قطر لرعايتها الحل اللبناني في الدوحة واللجنة الوزارية العربية والدولية الشقيقة والصديقة.
وتمنى ان يسير اللبنانيون نحو مصالحة راسخة ومبادرات رائدة لبناء الدولة المدنية القادرة والمرتكزة على احترام الحريات العامة.
وجاء في خطاب القسم ما يلي:
دولة الرئيس، حضرة النواب، كان أحب إلى قلبنا أن نبدأ هذا الاستحقاق، بدقائق فرح، لكني واثق بأن صمتنا ستهلل له ارواح شهدائنا وهم في جوار ربهم، كونه يؤسس لمرحلة واعدة لابناء الوطن الذي ينهض من كبوة له بفعل وعي المواطنين، ورفضهم الوقوع في عملية قتل الذات، وعمل المخلصين والاشقاء، للتخفيف من السيئات، ومحو التداعيات.
انني اليوم، وفي أدائي اليمين الدستورية، إنما أدعوكم جميعا قوى سياسية، ومواطنين، لنبدأ مرحلة جديدة عنوانها لبنان واللبنانيون، نلتزم فيها مشروعا وطنيا نلتقي عليه، بذهنية متقدمة، لنصل إلى ما يخدم الوطن ومصلحته كأولوية على مصالحنا الفئوية والطائفية، ومصالح الآخرين.
إن الاستقرار السياسي المنشود، يفرض علينا تفعيل المؤسسات الدستورية، حيث وجب احتضان الافكار السياسية وتبايناتها، وصولا إلى قواسم مشتركة، تؤمن مصلحة الوطن وأبنائه.
إن الخلاف السياسي، وما نتج منه من اشكاليات دستورية مررنا بها، ينبغي أن يشكل حافزا لنا، ليس فقط لايجاد المخارج، لما يمكن أن نقع فيه مستقبلا، وإنما ايضا لتحقيق التوازن المطلوب، فيما بين الصلاحيات، والمسؤوليات، يمكّن المؤسسات بما فيها رئاسة الجمهورية من تأدية الدور المنوط بها.
إن لبنان، وطن الرسالة، والذي يحمل تلاقي الحضارات، وتعددية فذة، يدفعنا للانطلاق معا، في ورشة عمل، فنصلح اوضاعنا السياسية والادارية والاقتصادية والامنية، فنعيد الوطن، إلى الخارطة الدولية، في دور نموذجي يعكس فرادته، واشراقته المعهودة.
الطائف
لقد اختار لبنان السير فيما اتفق عليه في الطائف، وهو مدعو الى حماية هذا الخيار، والعمل على ترسيخه، لأنه ينبع من الإرادة الوطنية الجامعة فتحصين اي قرار سياسي، لا يتم الا بهذه الإرادة، اضافة الى ان ما يربط اللبنانيين، من ميثاق وطني، نتيجة ارادتهم، هو صدور الدستور وقد برهن انه الأقوى والأسمى من اي توجه خارجي.
ان علاقاتنا الخارجية تبقى الأصلح والأفعل، بمقدار ما تنطلق من هذا الميثاق، فتؤمن وتحمي، مصالح لبنان وتحترم خصوصيته وتتيح له استعادة دوره الفاعل في محيطه العربي، والمجتمع الدولي كونه المثال الحي لتعايش الثقافات.
الخطاب السياسي
أيها السادة النواب، ان الشعب أولانا ثقته لتحقيق طموحاته، وليس لإرباكه بخلافاتنا السياسية الضيقة، ولعل اخطر ما برز في السنوات الأخيرة، خطاب سياسي يرتكز على لغة التخوين، والاتهامات المتبادلة، مما يمهد لحالة التباعد والفرقة، خصوصا بين الشباب، لذا وجب الادراك والعمل على تحصين الوطن، والعيش الواحد عبر التلاقي، ضمن ثقافة الحوار، وليس بجعله ساحة للصراعات.
قانون الانتخاب
ان سمة الديموقراطية الأساسية، تداول السلطة، عبر انتخابات حرة، واذا كان من الأهمية بمكان، اعتماد قانون انتخابي، يؤمن صحة التمثيل ويرسخ العلاقة بين الناخب وممثله ويكفل ايصال خيارات الشعب وتطلعاته، فالأهم قبولنا بنتائج هذه الانتخابات، واحترامنا للإرادة الشعبية.
القضاء
كما ان استقلال السلطة القضائية، يكرس العدالة، وهي مناخ يشكل ملاذا لكل صاحب حق، ويوفر انتظاما عاما لجميع مرافق الدولة، وليس فقط للفصل بين المتقاضين، فالأيادي البيضاء، سمة العدل، والعدل اساس الملك.
وان المسؤولية تحتم علينا تشجيع الطاقات الشابة للانخراط في مؤسسات القطاع العام فنمنع ترهله، وتتيح لنا الوصول الى ادارة اكثر كفاءة وشبابا، مع اعتمادنا على حسن الاختيار، وتعزيز هيئات الرقابة فيكافأ المستحق ويصوب المقصر ويعزل الفاسد.
أيها السادة، ان تبديد هواجس الشابات والشبان، يكون ببناء وطن يفتخرون بالانتماء اليه، لينهض بقدراتهم، وخبراتهم، ومشاركتهم في ايجاد الحلول، ولندعهم فهم الذين قاوموا الاحتلال والارهاب، وانتفضوا من اجل الاستقلال، يرشدونا حيث اخفقنا، فهم المستقبل، ولهم الغد، وهم من اثخنتهم الجراح فصقلتهم، وكان منهم قرابين معوقون، ينبغي تأمين حقوقهم ورعايتهم وفقا للقوانين.
هذا من دون ان يغيب عن اهتمامنا سياسة تربوية اصلاحية تتناول مدارسنا والجامعات، وتعيد اليها تميزها في هذه المنطقة.
الاغتراب اللبناني
ان جناح لبنان الثاني يلتفت الينا اليوم، يحدوه الأمل في ان يرى وطنه الام، وقد تعملق من جديد، من هنا، علينا الاعتراف بحقوق المغتربين، والمضي قدما في الاجراءات الآيلة الى تعزيز التصاقهم وتداخلهم بالوطن، والاستعانة بقدراتهم وتوظيفها، حتى لا يبقوا في غربة عن الوطن، انهم الأحق بالجنسية اللبنانية من الذين حصلوا عليها من دون وجه حق.
الاقتصاد والإنماء
إن الخروج من حالة الركود وتفعيل الدورة الاقتصادية بحاجة الى استقرار امني وسياسي والى رعاية الدولة، تشجيعا ودفعا لعملية الانتاج التنافسي، فجذب الاستثمارات وتأمين بيئة صديقة لها، يؤدي الى محاربة البطالة ومحاصرة الهجرة.
هذا الأمر يقودنا الى حتمية الاهتمام باقتصادنا المنتج صناعيا وزراعيا وخدماتيا، كما تعميم الثقافة البيئية وابراز الأوجه السياحية لهذا البلد.
ان الإنماء المتوازن ركن اساسي من اركان وحدة الدولة، واستقرار النظام، ونرى في تطبيق اللامركزية الإدارية الموسعة عنصرا مهما لهذا الانماء لرفع الغبن عنه، واصلاح التفاوت الاجتماعي والاقتصادي والثقافي بين المناطق، ولابد لنا من ايلاء موضوع استكمال عودة المهجرين كل اهتمام لطي هذا الملف بصورة نهائية.
المحكمة الدولية
أيها السادة، ان التزامنا مواثيق الأمم المتحدة، واحترامنا لقراراتها، يعود لقناعتنا الراسخة بالشرعية الدولية المستمدة من مبادئ الحق والعدالة، واذ نؤكد مساهمتنا في قيام المحكمة الدولية الخاصة، بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، وما تلاه من اغتيالات، فذلك تبيان للحق واحقاق للعدالة.
المقاومة
ان نشوء المقاومة كان حاجة في ظل تفكك الدولة، واستمرارها كان في التفاف الشعب حولها، وفي احتضان الدولة كيانا وجيشا لها، ونجاحها في اخراج المحتل يعود الى بسالة رجالها، وعظمة شهدائها، الا ان بقاء مزارع شبعا تحت الاحتلال ومواصلة العدو لتهديداته وخروقاته للسيادة، يحتم علينا استراتيجية دفاعية تحمي الوطن، متلازما مع حوار هادئ، للاستفادة من طاقات المقاومة، خدمة لهذه الاستراتيجية.
فلا تستهلك انجازاتها في صراعات داخلية، ونحفــظ بالتالي قيمها وموقعها الوطني.
يتزامن هذا اليوم، مع الذكرى الوطنية، للتحرير والنصر، فلتكن حافزا لنا، لمزيد من الوعي لما يتربص بنا، ولتجديد تمسكنا بالحرية والديموقراطية، التي ضحينا من أجلها لنصون الوطن.
وفي هذا السياق، يأتي العمل الدؤوب، لإطلاق الأسرى والمعتقلين، وكشف مصير المفقودين، واستعادة ابنائنا الذين لجأوا الى اسرائيل، فحضن الوطن، يتسع للجميع.
العلاقات العربية
لقد حرص لبنان، ويحرص دائما، على تقوية الأواصر التي تربطه بأشقائه العرب من هنا، فإننا ننظر بشدة، الى اخوّة في العلاقات بين لبنان وسورية، ضمن الاحترام المتبادل، لسيادة وحدود كل بلد، وعلاقات ديبلوماسية تعود بالخير لكل منهما.
العبرة هي في حسن المتابعة لعلاقات مميزة وندية، خالية من أي شوائب اعترتها سابقا، بحيث نعمل على الاستفادة من تجارب الماضي، وتداركها، تأمينا لمصالح ورخاء وأمن البلدين الشقيقين.
رفض التوطين
أيها السادة، ان الدولة لا يمكنها التغاضي عن أي عبث بالأمن والسلم، ولن تسمح بأي حال من الأحوال، أن يستعمل البعض وقودا للإرهاب، وان يتخذ من قدسية القضية الفلسطينية، ذريعة للتسلح، لتصبح هذه المسألة مصدرا للاخلال بالأمن، كما حصل منذ عام، عندما اعتدي على الجيش اللبناني، فلنتضافر، لمعالجة تداعيات ما حصل، فنعيد وصل ما انقطع، لبلسمة الجراحة واعادة الاعمار، لقد اعتصرنا الألم فلنعقد الأمل.
ان البندقية تكون فقط، باتجاه العدو، ولن نسمح بأن يكون لنا وجهة اخرى.
ان رفضنا القاطع للتوطين، لا يعني رفضا لاستضافة الأخوة الفلسطينيين، والاهتمام بحقوقهم الانسانية، بل تأسيسا لحق العودة حتى قيام الدولة القابلة للحياة.
ولهذا، فإن لبنان، يشدد على ما ورد في المبادرة العربية، التي انطلقت من عاصمته بيروت عام 2002.
القوات المسلحة
لقد كسبت القوى المسلحة، وفي طليعتها الجيش، ثقة الشعب اللبناني طيلة السنوات الأخيرة، لتحقيقها انجازات مهمة وتاريخية، من الحفاظ على الديموقراطية والسلم الأهلي، وانتشارها في الجنوب العزيز، بعد أكثر من ثلاثة عقود من الزمن، والتصدي للعدو والإرهاب، وقد دفعت غاليا خيرة ابنائها.
الا ان الاحداث الامنية الاخيرة خلفت شعورا بأن القوى المسلحة لم تقم بالأداء الكامل المأمول منها لذلك فالحفاظ على الحد الأدنى من الوفاق، وبالتالي توفير الغطاء السياسي المطلوب يساهمان في تدارك الأمر مستقبلا.
بالاضافة الى تعزيز موقعها المعنوي على المستوى الوطني، وتجهيزها، وتشجيع الشباب المثقف الواعد للانضواء تحت راياتها.
شكر وعرفان
ايها السادة، في هذه المناسبة، أتوجه بالشكر، الى جامعة الدول العربية، ومعالي امينها العام، لاحتضانها الأزمة التي عصفت بالوطن، ولجهودها المثمرة، في بلورة الحل المناسب، وأتقدم، باسم اللبنانيين، وباسمي، بالعرفان لدولة قطر، وسمو أميرها، ودولة رئيس وزرائها، واللجنة الوزارية العربية، لما بذلوه من جهد صادق، والتزام قومي في اطلاق الحوار الوطني، واستضافتها له وانجاحه.
الشكر ايضا للدول الشقيقة والصديقة، التي ساعدت الوطن، على تجاوز المحن، وتلك التي تشارك في عداد القوات الدولية، المنتشرة في الجنوب، تطبيقا للقرار 1701، على ادائها المميز، والمتكامل مع الجيش اللبناني لحفظ الأمن، وحري بنا ان نسجل اهتمامها بالنواحي الانمائية والاجتماعية، في المناطق التي تنتشر فيها، والصدى الطيب الذي تلقاه لدى المواطنين.
المستقبل
ايها اللبنانيات واللبنانيون، ينتظرنا الكثير الكثير، فقسمي هذا التزام علي، كما ارادتكم هي التزام ايضا، لا نفرق في الوعود، بل نقارب الواقع وميادينه المختلفة بإمكاناتنا، واستثمار دعم الاشقاء والاصدقاء لنجتاز الصعاب، فلنتحد ونتضامن ونسر معا نحو مصالحة راسخة، لزرع الأمل لدى ابنائنا، ونطلق مبادرات رائدة، ابداعية شجاعة، لتحقيق ذلك ونعمل لبناء الدولة المدنية، القادرة، المرتكزة على احترام الحريات العامة، والمعتقد، والتعبير.
لقد دفعنا غاليا ثمن وحدتنا الوطنية، فلنحافظ عليها معا، يدا بيد، فالله مع الجماعة.
عاش لبنان
تغطية خاصة في ملف ( pdf )