هنأ أمير قطر سمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني العماد ميشال سليمان بانتخابه رئيسا للجمهورية اللبنانية وقال ان بلاده نجحت في ان تكون ساحة للحوار الحر بين القادة اللبنانيين الذين وضعوا اللمسة الأخيرة على الحل بمساهمة دول عربية كبيرة نجحت بتذليل العقبات التي واجهت النظام العربي.
وتمنى سمو امير قطر أن تكون هذه الازمة الأخيرة التي تعصف بلبنان، معتبرا ان الحل في الدوحة خرج على القاعدة اللبنانية المعروفة التي تقول «لا غالب ولا مغلوب» وأُسس على قاعدة «لبنان الغالب والمغلوب هو الفتنة».
جاء ذلك في خطاب سمو امير قطر امام مجلس النواب اللبناني عقب تلاوة الرئيس ميشال سليمان خطاب القسم امس.
بسم الله الرحمن الرحيم
فخامة الرئيس العماد ميشال سليمان، حضرات النواب المحترمين، لا استطيع أن أبدأ معكم في هذا الاجتماع الذي شرفتموني بدعوتي إلى حضوره، إلا بحمد الله على توفيقه وهداه أن ثبت إيمان قادة الشعب اللبناني العظيم على اختلاف اديانهم وطوائفهم، وبحيث ادركوا انه لا ميثاق بينهم وبين شعبهم غير التوافق على أمنه ومصالحه، ولا بديل بينهم وبين بعضهم غير التراضي على ما يضمن لشعب لبنان، هذا الأمن، وهذه المصالح كي يطمئن الكل مع عيشهم المشترك، وسلامهم الأهلي ويطمئنوا بقية الأمة العربية الى أن واحدا من أعز أوطانها، مصون بأهله، عزيز بحريته، واثق من خطاه إلى مستقبله، عارف دوره في التبادل الحر للمنافع والافكار.
كما أود أن أعرب عن خالص تهنئتي لفخامة العماد ميشال سليمان على انتخابه اليوم رئيسا للجمهورية في مرحلة هي الادق والأخطر في تاريخ لبنان الشقيق.
لقد انتهت برعاية من الله ازمة خطيرة، كادت تهدد كيان لبنان في ظروف لم تعد تحتمل انفراط الأوطان ومع أن لبنان شهد الكثير من الازمات، فإن رجائي أن تكون هذه الأزمة الأخيرة، منعطفا يباعد بين لبنان ومزالق الفتنة.
ونعرف ان هناك قاعدة في السياسة اللبنانية تعتبر حلول الازمات أخذا بمبدأ لا غالب ولا مغلوب، ولكن اسمح لنفسي هذه المرة أن أقول ان ما توصلنا إليه، ما توصلتم أنتم إليه في الدوحة قبل أيام، لا بد أن يكون خروجا على هذه القاعدة الداعية للتحفز، والتوتر والأحساس الدفين بأن الفتنة قائمة حتى وان كانت نائمة.
فصيغة انه لا غالب ولا مغلوب تبدو انها تؤجل الخلافات ولاتنهيها، وتزيح المشاكل، ولاتحلها، وكان ذلك ممكنا في الوقت الذي ظهر فيه ذلك الشعار سنة 1958 اي قبل خمسين عاما.
ففي تلك الايام كنا نستطيع ان نتحدث عن اطراف لا غالب فيها ولا مغلوب، لان احوال الامة كانت على خلاف ما هي عليه الآن، والواقع بأمانة ان مخاطر الاحوال الراهنة في العالم العربي، وحوله، لم تعد تسمح بوجود اطراف يتجدد بينها الخلاف، ما بين حين وآخر، فقد بلغنا حافة لم تعد فيها الامور خلاف اطراف، وانما مصير اوطان.
وعند هذا الخطر «امن الاوطان وليس خلاف الاطراف» اصبح لزاما علينا ان نحسم ونقطع ونقدر، ونتصرف بجسارة على اساس ان هذه الازمة الاخيرة، انتهت فعلا، بغالب ومغلوب، الغالب هو لبنان، والمغلوب هو الفتنة، وهذا ما ينبغي ان يكون واضحا للجميع، اليوم، وغدا، والى الابد.
حضرات النواب المحترمين، ان دولة قطر واهلها، اسعدهم ان تلتقوا فيها، واسعدهم ان تنجحوا على ارضها، واسعدهم ان يخرج لبنان منها غالبا، والفتنة مغلوبة.
واريد ان اكون واضحا، ومحددا، فأقول ان لبنان، وانتم من صنعوا ذلك النجاح في الدوحة.
والدليل القاطع على هذا النجاح، هو اجتماعكم في هذا المكان الجليل للبدء في تنفيذ خطة توافقتم وتراضيتم عليها في الدوحة، وهذا الاجتماع اليوم اولى خطاها، وستتواصل الخطى موفقة باذن الله.
ان الدوحة لم تفعل اكثر من انها فتحت ساحة لحوار حر لا تضغط عليه قوى، او مطالب، ولا مثقلة بشكوك، او ريب من خارج مصلحة لبنان، وامنه، واعتقادنا ان فرصة هذا الحوار الحر والارادي جاءت بنتيجتها الطبيعية.
لقد جرت من قبل لقائكم في الدوحة محاولات لحل الازمة، وشاركت قوى عربية اخوية كريمة، ومؤسسات اقليمية مشهود لها بالكفاءة والمقدرة، وبالفعل فإن هذه الدول وهذه المؤسسات، بذلت جهودا خيرة، وقطعت بالازمة خطى بناءة حتى لم تتبق غير لمسة اخيرة، يقدر عليها الشعب اللبناني وحده، ممثلا في قيادته، وزعاماته السياسية الواعية، وكان شرفا للدوحة ان تلك اللمسة اللبنانية الاخيرة، جرت في حوار خلاق ومسؤول، اسعدنا، ان نضع تحت تصرفه كل امكانياتنا، وبذلك تحقق النجاح للجميع.
ان النجاح الاكبر بالطبع لكم، ولشعب لبنان، لكني اريد ان اقول بانصاف ان معنى النجاح اوسع من ذلك واشمل، فذلك المعنى يقول لنا ان النظام العربي نجح لانه استطاع ان يتجاوز ظروف الخطر، وان الدول العربية الكبيرة نجحت لانها استطاعت ان تذلل العقبات، وان الامة نجحت لانها عند حافة الهاوية، احاطت بالازمة، وسحبتها من الخطر الى ساحة الحوار، ومن الفرقة الى مجال التوافق، حتى تستطيع الارادة الواعية ان تؤكد حق الحياة والتقدم، حق الحرية والازدهار.
انني حضرت مع شعب لبنان ساعة الحرب قبل عامين بالضبط، ورأيت شجاعة المقاومة، حينما كانت المقاومة ضرورية، واليوم بعد عامين بالضبط يتاح لي ان اعود الى لبنان، والى هذا المكان، وان ارى شجاعة الحكمة عندما اصبحت الحكمة لازمة، وفي الحالتين، فانني فخور لانكم اتحتم لي فرصة وشرف ان ارى لبنان في الحالتين وقد كان عظيما في مقاومته في تلك الساعة قبل عامين، كما هو عظيم في حكمته في هذه الساعة وبصورة هذا الاجتماع ودلالته.
ان اجتماعكم في الدوحة، كان شرفا لدولة قطر واهلها، فلقد جعلتم من عاصمة بلدنا دارا للحوار، مفتوحة امامه بلا شرط، مفتوحة امامه بلا الحاح، مفتوحة امامه بلا مطالب، مفتوحة امامه بلا ضغوط.
ان العالم العربي فيه ما يكفي من المؤسسات والمنظمات الشرعية المؤهلة والقادرة على القرار السياسي، وفي مقدمتها الجامعة العربية، والمؤتمر الاسلامي، على ان الحوار يحتاج الى ساحة مفتوحة، لا تسعى وراء قرار، وانما تأمل في تهيئة مناخ للحوار يسمح له، عند اي خلاف بادراك حقيقة انه مع هذا التنوع الانساني الضخم في العالم العربي، فإن ما يجمع الاطراف اكبر بكثير مما يفرق بينهم.
ذلك يقيننا، وذلك هدفنا، وليحفظ الله لبنان، وليحفظ كل وطن عربي من اوطان هذه الامة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تغطية خاصة في ملف ( pdf )