كل لبنان كان في استقبال كل فرنسا.. الرئيس ميشال سليمان والرئيسان نبيه بري وفؤاد السنيورة، الوزراء والنواب (عدا وزراء حزب الله) والهيئات الديبلوماسية والثقافية جميعهم شاركوا في استقبال الرئيس ساركوزي الذي اتى من دون قرينته كارلا، خلافا لما توقعته وسائل الاعلام.
الوفد الرئاسي الفرنسي وصل بطائرتين، طائرة الرئيس، ثم طائرة رئيس الوزراء فرانسوا ڤيون والوزراء وقادة الاحزاب ورجال الاعمال الذين رغبوا في مواكبة رئيسهم في زيارته الاولى الى لبنان، والاولى لشخصية دولية الى هذا البلد الذي مازال يعيش مخاض الخروج من ازمة فراغه الرئاسي، واستتباعاته الحكومية.
وفد استثنائي
في المطار اعرب الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في كلمة له عن تضامنه مع لبنان والشعب اللبناني وقال: يسعدني ان اكون في بيروت وان يستقبلني بحرارة نظيري الرئيس ميشال سليمان جئت لكي اهنئ الرئيس سليمان بانتخابه رئيسا للجمهورية ولأقول له ان فرنسا تقف بجانبه، انتخاب الرئيس سليمان يعني الامل لجميع اللبنانيين من دون استثناء، واحمل مع الوفد الذي يرافقني وهو وفد استثنائي، رسالة الى الشعب اللبناني الذي اريد ان اعبر له عن المحبة والاخوة والوحدة والروابط القوية الموجودة بين البلدين وهي قوية اكثر من اي وقت مضى، اعتقد ان هذا امر جيد لقدر الشعب المتوسطي.
ونوه بالجهود التي قامت بها قطر والجامعة العربية وفرنسا، حيث سمح اتفاق الدوحة بتحسين الوضع وادى الى مصالحة وطنية ولفت الى ان الرئيس سليمان امامه مسؤولية كبيرة لإنجاح هذه المصالحة، ولابد ان تقوم القوى اللبنانية جميعها بترجمة التزاماتها وذلك عبر الحوار.
واضاف: اليوم نحن هنا لدعم الحكومة التي كلف الرئيس السنيورة بتشكيلها وذلك لحل مشكلة الاقتصاد اللبناني، المجتمع الدولي واوروبا وفرنسا مستمرون في دعم لبنان على جميع الاصعدة، وقال مخاطبا رئيس الجمهورية: يمكنك ان تعتمد على التزام فرنسا، هذا الالتزام السياسي والاقتصادي والثقافي الذي سيترجم على الارض هو دعم من الشعب الفرنسي للشعب اللبناني، وذلك ترجمة للدعم الفرنسي للبنان، لبنان رمز التنوع والسلام، ما يحدث اليوم هو مهم جدا للبنان، والعالم بأكمله ينظر الى لبنان، فليلتزم الجميع حيال لبنان.
ويبدو ان ساركوزي لم يكن يتوقع ان يُستقبل الى جانب الحفاوة الرسمية، باعتصام من جماعة يسارية لتطالبه بالافراج عن الثوري اللبناني جورج عبدالله المعتقل في فرنسا منذ 29 سنة، بجرم قتل ملحق عسكري في باريس واصابة ديبلوماسي اسرائيلي.
غير ان امن المطار ابعد المعتصمين عن الباحة الرئيسية، بحيث لم يتسن للرئيس الفرنسي رؤيتهم، لكن الوفد الاعلامي المرافق وقوامه 50 شخصا تنبه للأمر.
وفيما توجه الرئيسان سليمان وساركوزي بسيارة الرئاسة الى بعبدا في موكب واحد مع كبار المستقبلين، توجه وزير الدفاع الفرنسي بتكليف من الرئيس ساركوزي الى ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري في ساحة الشهداء حيث وضع اكليلا من الزهور على الضريح.
وبعد خلوة لربع الساعة عاد الرئيسان الى القاعة الكبرى للقاء كبار المرحبين بالزيارة، حيث اعلن ساركوزي عن اهداف زيارته القصيرة بمداها الزمني والكبيرة بمضامينها السياسية، وهي تهنئة الرئيس سليمان، ومخاطبة كل اطياف الشعب اللبناني دون استثناء «رسالة قوة وصداقة والتزام».
وقد رحب الرئيس سليمان بأول ضيوف عهده الكبار، ووقف الى جانبه في استقبال المدعوين الى مائدة الغداء وصافحا الجميع.
وفي كلمته الترحيبية اكد الرئيس سليمان على تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، بينما اكد الرئيس ساركوزي على التزام بلاده بدعم لبنان، ورئيسه وخص بالذكر رئيس الحكومة فؤاد السنيورة الذي وصفه بالشجاع، ونوه باتفاقية الدوحة وبالمحكمة الدولية.
كلمة سليمان
وبعد الترحيب بالضيوف اكد سليمان في كلمته على عمق علاقات الصداقة والثقة القوية التي صقلها التاريخ بين فرنسا ولبنان، فإذا ما توجهت افكار اللبنانيين نحو أوروبا فإنها ستتجه بصورة طبيعية الى فرنسا، وكلما التقى لبنانيون وفرنسيون معا، فإن لغة القلب تنطق بلسانهم.
ان هذا الارتباط الخاص الذي يجمع لبنان وشعبه الى فرنسا انما يرتكز على قيم الحرية والمساواة والاخوة، وهي قيم اساسية عملت امتكم العظيمة على نشرها، والعناية بها ودعمها عبر العالم.
واضاف «لبنان اليوم وطن الرسالة هذا، وملتقى الحضارات، وملجأ التعددية يلتزم الانطلاق بورشة اصلاح وتطوير مؤسساته.
ان سياسة لبنان تهدف بصورة اساسية الى جانب اعادة اطلاق الدورة الاقتصادية، الى اصلاح مؤسساته السياسية والادارية والامنية والقضائية والاجتماعية كي يستعيد مكانته ودوره بين مجموعة الأمم.
واعرب سليمان عن امتنانه لما قامت به فرنسا التي جندت المجتمع الدولي يوم استضافت مؤتمر باريس - 3 وهو ملتزم بتنفيذ ما ينتظره منه شركاؤه والمؤسسات المالية الدولية.
واكد ان الاوقات الصعبة والمأساوية التي اجتزناها اصبحت وراءنا. ان اتفاق الدوحة التي كان لفرنسا فيها مكانة بارزة، اعاد انتاج الاستقرار السياسي المنتظر منذ فترة.
وهذا الاتفاق يحضنا على اعادة احياء دور المؤسسات الدستورية، فانطلاقا منه اصبح كل خلاف سياسي يجد حلا له في قلب هذه المؤسسات، وعبر الحوار.
واكد سليمان دعم لبنان لمشروع «الاتحاد من اجل المتوسط» معتبرا ان كل مقومات النجاح تكون متوافرة لمشروعكم الكبير، هذا اذا ما استعادت منطقة الشرق الاوسط استقرارها وعرفت السلام، ان لبنان يعتمد على اسهامكم الشخصي في مسيرة السلام، كي يستعيد اراضيه المحتلة، وكي يضع موضع التنفيذ حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة الى ديارهم.
كلمة ساركوزي
ورد الرئيس الفرنسي بكلمة اشار فيها الى «بادرة لم يسبق لها مثيل، اقترحت على دولة رئيس الوزراء وعدد من الوزراء وقادة الاحزاب السياسيين الفرنسيين ان يقوموا الى جانبي بهذه الزيارة الرسمية للبنان»، معتبرا «ان حضورهم رسالة بحد ذاتها» الى الشعب اللبناني بمختلف مكوناته رسالة صداقة وتضامن واخوة، رسالة أمل والتزام اليوم تؤكد فرنسا باسرها ثقتها بكل لبنان، بالنسبة الينا نحن الفرنسيين لبنان هو، ويجب ان يبقى التقاطع الاجمل للحضارات والاديان ورمز الانفتاح والتنوع المعاش».
واضاف ان يتقاتل اللبنانيون كما بالامس ويتألم لبنان عندها تكون آلامكم آلامنا ونحن لا نتوانى عن تقديم دعمنا لكم، لكي نجد معكم، ومع كل الافرقاء المعنيين، طرقا للتهدئة والتسوية هذا كان منطق عملنا في صيف 2006، يوم سعينا مع اقرار القرار 1701 لكي يتوقف النزاع، ويتمكن بلدكم من الانصراف الى اعادة اعماره.
هذا كان ايضا منطق تضامننا الانساني والمالي بكل ما فيه من اصالة يوم عقدنا مؤتمر باريس - 3، وهذا كان كذلك في اساس جهودنا التي لم تعرف الكلل وقد قادها وزير الخارجية برنار كوشنير سواء في لاسيل - سان كلو او في بيروت.
واستطرد اما ان يتصالح لبنان مع ذاته، فيخط دربا للامل والمنطق عندها نتقاسم نحن الفرنسيين مع اللبنانيين املهم ورغبتهم في الانطلاق بورشة اعادة الاعمار.
ورأى ساركوزي ان انتخاب سليمان «ضمانة أمل لكل اللبنانيين الذين يقدرون الخصال الحميدة الكبرى لديكم والتي حققت شهرتكم اثناء قيادتكم للجيش» ووصف الجيش بانه «كان ضامنا لحرية التعبير يوم التظاهرات الضخمة التي عرفها «ربيع بيروت» جيش هو احدى الركائز الاساسية للدولة ولطرق الدفاع عنها، جيش منتشر في الجنوب بالتنسيق مع قوات الطوارئ الدولية «اليونيفيل» كي تفرض الدولة اللبنانية سيادتها على اراضيها».
وتابع اقول: جيش شجاع وعملاق هو رأس حربة في مكافحة الارهاب، كما اثبت ذلك معارك نهر البارد يوم لعبتم شخصيا دورا اساسيا في ذلك.
واضاف هذه الصفات، فخامة الرئيس ستضعونها في خدمة اهداف ومسؤوليات اكبر لعل ابرزها: تأمين استقرار البلد ومؤسساته، وتوطيد حرية كل المواطنين ورفاهيتهم ضمن احترام تنوعهم الثقافي والديني واخيرا وليس اخرا، اعادة لبنان الى موقعه الطبيعي في المنطقة والعالم، هذه هي باختصار الاهداف المشروعة التي حددتموها في خطاب القسم الشهير الذي القيتموه في 25 مايو الماضي، والذي لقي ترحيب الجميع.
وعاد واكد «ان فرنسا باسرها، واوروبا باسرها تريدان ان تقف الى جانبكم لمساعدتكم في تحقيق هذه الاهداف التي تؤمن الوئام والسلام الداخلي وتبعد التهديدات والمآسي التي تثقل بوطأتها على كاهل وطنكم والمنطقة».
ووعد بأن تبقى فرنسا صديقة للبنان، ولكل اللبنانيين من دون اي استثناء وسنبقى نصون الالتزام عينه لمواصلة مساهمتنا في كل المشاريع القائمة، يجب اعادة بناء الدولة، واعادة احياء الاقتصاد، والافادة من كل توصيات «باريس - 3» وهذا الأمر هو ايضا من مسؤولية رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة الذي احييه بشكل خاص فهو الذي اظهر شجاعة كبرى خلال هذه السنوات الاخيرة.
مساعدة الجيش اللبناني
واعرب عن رغبة فرنسا في مساعدة الجيش اللبناني ضمن اطار بلورة استراتيجية دفاعية من خلال حوار صادق بين اللبنانيين وهذه الاستراتيجية لا يمكن بعد اليوم تأجيل البحث بها.
واضاف نحن سنبقى الى جانبكم، كي لا يبقى استشهاد الرئيس رفيق الحريري وتلك القائمة الطويلة من الاغتيالات التي طاولت منذ اكتوبر 2004، ابرز ابناء لبنان، من دون عقاب.
ان المجرمين القتلة يجب ان يعرفوا انهم سيدفعون ثمن فعلتهم، هذا هو الهدف المقصود من انشاء المحكمة الدولية التي دعمتها فرنسا سياسيا وديبلوماسيا وماليا.
وشدد على ان فرنسا ستبقى الى لبنان كي يطبق بصورة كاملة اتفاق الدوحة الذي توج مسيرة حاولت فرنسا فيها ان تكون لها مكانة اساسية وليسمح لي ان اتوجه بالتقدير الى دولة قطر وقيادتها، كذلك الى الجامعة العربية.
تمويل المؤسسات التربوية
واعلن ساركوزي انه قرر مع رئيس مجلس الوزراء ايفاد بعثة الى لبنان، مطلع الاسبوع المقبل لنرى كيف يمكننا ان نضاعف حجم المساعدات المدرسية المخصصة للبنان، ولخدمة اللبنانيين كافة، اعرف ان هناك 27 مؤسسة تربوية، ولا يعود لي ان اختار اليوم، ايا منها ستستفيد من هذه المساعدة.
وكشف عن ان «افضل دليل على ثقتنا بمستقبل وطنكم هو قرارنا هذا في مضاعفة تمويلنا للمساعدات التربوية الفرنسية بدءا من هذا العام بالذات».
من جهة اخرى فانه خلال الشهر المقبل سيقود رئيس الوزراء ووزيرا الاقتصاد والمالية بعثة اقتصادية مهمة للمساهمة في اعادة اعمار لبنان.
وختم فخامة الرئيس، اود ان اقول هنا في بيروت: «عاش لبنان، عاشت فرنسا لهذه الكلمات، هنا في بيروت، وقع خاص لكل واحد منا».
بعدها توجه والوفد المرافق الى المطار حيث كان في وداعه الرؤساء الثلاثة والوزراء وكبار موظفي الدولة.
تغطية خاصة في ملف ( pdf )