بقلم
حسين آغا وروبرت مالي
في الاسابيع القليلة الماضية اظهرت ثلاثة نزاعات مجمدة منذ زمن طويل في الشرق الاوسط علامات مبكرة على الذوبان.
فمن المحتمل ان اسرائيل وحماس تقتربان ببطء من وقف لاطلاق النار يمكن ان يضع حدا للهجمات من الجانبين وان يخفف الحصار المفروض على قطاع غزة الفقير.
كما ان الاطراف المتنازعة في لبنان وبعد فترة طويلة من الشلل المؤسساتي وخطر اندلاع حرب اهلية توصلوا الى اتفاق سياسي اولي.
وبعد مضي ثماني سنوات على آخر مفاوضات بينهما أعلنت سورية واسرائيل عن استئناف محادثات غير مباشرة للسلام.
ان تحرك هذا العدد من الاطراف في وقت واحد في عدة حلبات أمر لافت.
ولكن ان تفعل ذلك من دون الولايات المتحدة، وفي بعض الحالات رغما عنها، فهو امر لافت بشكل خاص.
اتفاق غزة يجري بوساطة مصر وتوسطت قطر في اتفاق لبنان أما تركيا فهي ترعى الاتصالات الاسرائيلية - السورية.
هذه البلدان الثلاثة حليفة وثيقة للولايات المتحدة، وفي الظروف العادية لن تكون راغبة بالعمل في قضايا اقليمية حيوية من دون رضا أميركا.
ولكن يبدو انها في هذه الحالات الثلاث تجاهلت رغبات واشنطن.
فالمفاوضات كانت تضم إما فرقاء ترفض الولايات المتحدة التحدث معهم، أو انها اطلقت مسارا تعارضه الولايات المتحدة، أو انها اعطت نتائج ضارة بحلفائها المحليين المفضلين.
المنطقة بحالة مزرية وحلفاء واشنطن يعرفون ذلك. وهم يلومون سرا الولايات المتحدة ويقلعون عن انتظار ادارة بوش لكي تعطيهم مخرجا.
وبتصرفها على هذا النحو كشفت مصر وقطر وتركيا عن الحجم الحقيقي لمصداقية أميركا ونفوذها بعد الاخفاق الأميركي في العراق والاراضي الفلسطينية ولبنان. انها مستعدة لتولي زمام الأمور بأيديها وتجاوز غموض الموقف الأميركي من تحركها.
فالولايات المتحدة وفي تصميمها على عزل خصومها نجحت في تهميش نفسها بدلا من ذلك.
وفي حالة بعد الاخرى راهنت ادارة بوش على الطرف الخاسر أو على قضية خاسرة.
اسرائيل تريد صفقة مع حماس لأنها، هي وليس شركاء أميركا من الفلسطينيين، تمتلك ما تريده اسرائيل وهو انهاء العنف واطلاق سراح الجندي الاسرائيلي جلعاد شاليط الذي تحتجزه.
واقتنعت اسرائيل بالتعامل مع سورية لأن دمشق، وليس من يدعون بحلفاء أميركا من العرب المعتدلين، هي التي تمسك بالأوراق المهمة.
سورية لديها استراتيجية واضحة بالتحالف مع ايران وهي تدعم القوى الاكثر نفوذا على الارض في لبنان، وتوفر ملاذا لقوى المعارضة والقوى الاسلامية في فلسطين.
وعلى نحو مماثل اجبر اصدقاء أميركا اللبنانيون على الرضوخ لمطالب حزب الله عندما تبين لهم ان دعم الولايات المتحدة لن يستطيع تغيير توازن القوى في بلادهم.
وفي الوقت ذاته فان المسار الذي يبدو ان الرئيس بوش مهتم به اكثر من غيره وهو المسار الاسرائيلي - الفلسطيني المراوغ هو الأقل احتمالا بأن يفضي الى أي نتيجة.
لقد عزلت الولايات المتحدة نفسها عن المنطقة بناء على الافتراض غير المؤكد بأن باستطاعتها بكيفية ما ان تمارس اقصى الضغوط على خصومها من خلال قطع الاتصالات، واختارت بدلا من ذلك استعراض قوتها بأكثر السبل بدائية وتكلفة.
لقد دفعت حلفاءها المحليين نحو الحرب الاهلية بتسليحها لفتح ضد حماس وبتمويلها لبعض القوى اللبنانية ضد حزب الله.
ولكنهم لم يكونوا قادرين على الانتصار ولم ينتصروا.
ولم تفهم واشنطن ان بإمكان حلفائها ان يحققوا مكاسب عن طريق التحالف مع معارضيهم أكثر مما يمكنهم تحقيقه من النزاع معهم.
كم كان سيتعاظم نفوذ محمود عباس لو انه كرئيس لائتلاف وحدة وطنية قدم الهدنة والعريف شاليط لاسرائيل ووسع في الوقت ذاته الدعم الذي يحتاجه لاقناع شعبه باتفاق سلام؟
وكم كانت كانت ستزداد قوة رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة وزملائه لو انهم وافقوا قبل عامين على اتفاق المشاركة في السلطة الذي ارغموا على ابتلاعه الشهر الماضي؟ تساؤلات كثيرة لا تزال تحيط بهذه الصفقات الثلاث التي لم تكتمل بعد.
فمن الممكن ان تنهار أو تذهب في الاتجاهات غير المرغوبة.
ومن الممكن ان تخدم في نهاية المطاف غرضا مختلفا كل الاختلاف مثل الحد من قدرة سورية أو حزب الله أو حماس على الرد في حال مهاجمة أميركا أو اسرائيل لإيران.
هنالك شكوك مفهومة تحيط بهذه التطورات.
ولكن في الوقت الحاضر على الأقل ليس هنالك أي غموض كبير حول موقع الولايات المتحدة. ففي زمن حرج وفي منطقة حرجة لا نجد أي أثر لها.
عن: الهيرالد تريبيون
صفحة قضايا في ملف ( pdf )