أجرى مصرف سورية المركزي بالتعاون مع هيئة تخطيط الدولة دراسة لتحليل تطور معدل التضخم المسجل داخل الاقتصاد السوري، ومعرفة أهم محددات التضخم النقدية والحقيقية واتجاهاتها خلال الفترة الماضية.
وأوضحت الدراسة أن أسعار الغذاء والوقود سجلت ارتفاعا حادا تسارع في عام 2008، وأمام هذه المتغيرات لايزال الاقتصاد السوري يشهد ارتفاعا في المستوى العام للأسعار مسجلا معدلا جديدا للتضخم قدر بحدود 4.5% خلال عام 2007 مقارنة بـ 10.3% عام 2006.
حيث شهد التضخم خلال النصف الأول من عام 2008 ارتفاعا ملحوظا وتراكميا لمعدل التضخم يضاف للارتفاع الحاصل عامي 2006 و 2007 ليعكس ارتفاعا إجماليا لمعدل التضخم بحدود 22% للفترة الممتدة من بداية مايو عام 2006 وحتى شهر مايو 2008.
ومع بداية عام 2008 بدأ المؤشر العام للأسعار بالارتفاع وبشكل ملحوظ حيث بلغ معدل التضخم خلال الشهر الأول من عام 2008 بحدود 6% مقارنة بالشهر نفسه من عام 2007 إلا أنه استمر بالارتفاع خلال النصف الأول من عام 2008 حيث بلغ 12.9% مقارنة بالنصف الأول من عام 2007 وبلغ ارتفاع الأسعار مستوى قياسيا جديدا في شهر مايو من عام 2008 محققا تضخما سنويا قدر بنحو 20% مقارنة بالشهر نفسه من عام 2007.
ويعود تسارع التضخم بشكل أساسي إلى زيادة أسعار المواد الغذائية ومساهمتها الكبيرة في سلة السلع والخدمات حيث يبلغ وزنها النسبي من سلة السلع والخدمات 42%.
وارتفع الرقم القياسي لأسعار المواد الغذائية بحدود 29% خلال شهر مايو من عام 2008 مقارنة بالشهر نفسه من عام 2007.
ويلي ذلك في الأهمية الرقم القياسي لأسعار النقل حيث ارتفع بمقدار 50% وارتفع مكون الملابس والأحذية بـ 12% بالإضافة إلى الارتفاع الملحوظ في تكاليف التعليم والأنشطة الثقافية والسياحية والمفروشات إلا أن نسب مساهمتها كانت منخفضة.
على صعيد آخر شهد الرقم القياسي لأسعار الإيجار انخفاضا ملحوظا حيث بلغ 111.06% في مايو 2008 مقارنة بـ 116% في الشهر الأول من عام 2008 وبالتالي فقد كانت المواد الغذائية هي المساهم الرئيسي في التضخم الحاصل لعام 2007 حيث شكلت 3.75 نقاط مئوية من أصل 4.5 نقاط أي ما يقارب 83% من إجمالي معدل التضخم، أما مساهمة مكون الوقود والإضاءة فكانت بحدود 0.57 نقطة يليها مكون الإيجار بحدود 0.25 وكانت مساهمة الإيجار بحدود نقطة مئوية واحدة.
ويمكن تفسير ارتفاع الرقم القياسي للأسعار بمجموعة من العوامل الداخلية والخارجية شكلت بمجملها ضغطا حقيقيا على الطلب المحلي داخل الاقتصاد السوري، ومن المحتمل أن يكون الرقم القياسي للأسعار مرشحا للانخفاض خلال الربع الثالث مقارنة بالربعين الأول والثاني من عام 2008.
حيث شهد النصف الأول من هذا العام ضغطا حقيقيا لم يكن فيه العرض قادرا على تلبية الطلب المتزايد ترافق ذلك مع حالة شح الأمطار وسوء الموسم الزراعي وارتفاع أسعار الكهرباء بعد مستوى استهلاكي معين والعمل وفق سعر جديد للمحروقات اعتبارا من 3/5/2008 حيث تم رفع سعر المازوت من 7 إلى 25 ليرة سورية لليتر الواحد أي بزيادة قدرها 3.5 أضعاف كما ارتفعت أسطوانة الغاز من 145 إلى 250 ليرة بالإضافة للارتفاع الحاصل في أسعار البنزين خلال عامي 2007 و2008.
وفي إطار العوامل الداخلية المحددة للتضخم، ساهم انخفاض سعر صرف الليرة خلال عام 2007 مقارنة بعام 2006 في تخفيف حدة الضغوط التضخمية التي يشهدها الاقتصاد السوري، فالليرة السورية تشهد تحسنا ملحوظا بسعر تعادلها الحقيقي بمعنى أن هناك ارتفاعا في القوة الشرائية لليرة السورية يقدر بـ 7% في عام 2007.
يضاف إلى ذلك التدخل الحاصل في جانب العرض في السوق السلعية لتعويض النقص الحاصل من جراء ازدياد الطلب.
وفي إطار العرض النقدي شكل ضبط معدل نمو الكتلة النقدية عاملا مهما في كبح الضغوط التضخمية الذي شهد انخفاضا ملحوظا عام 2006 أما خلال عام 2007 فقد ارتفع معدل نمو العرض النقدي قليلا ليصل إلى 12.1%.
وكان عام 2007 والنصف الأول من عام 2008 من الأعوام التي حملت الكثير من التغيرات التي ألقت بظلالها على حركة الأسعار ليس في الاقتصاد السوري فحسب بل كانت تتيه باقتصاديات العالم بأسره.
فقد أظهرت الدراسة التحليلية اتجاها غير معهود لحركة الأسعار داخل الأسواق المحلية والدولية وعلى وجه التحديد أسواق النفط بعد أن تجاوزت أسعاره بكثير سقف المائة دولار للبرميل مسجلا نموا في الربع الثاني من عام 2008 يقدر بـ 83% في حين بلغ هذا الارتفاع التراكمي للفترة من 2005 وحتى 2008 ما يقارب 200%.
أما أسعار السلع الرئيسية الأخرى فقد قفزت إلى مستويات قياسية بسبب موجة الجفاف التي أصابت الدول المنتجة للقمح والحبوب ومنها الاقتصاد السوري ولم يقتصر جنون الأسعار على ذلك فحسب بل طال كل المواد الغذائية ومستلزمات الإنتاج الصناعي والزراعي وسلع البناء والتشييد.
صفحة شؤون سورية في ملف ( pdf )