واشنطن - أحمد عبدالله
التقت «الأنباء» في واشنطن ببول غولدستين المدير التنفيذي لمعهد «باسيفيك انترناشيونال ريسرش» والمستشار السابق لحملة بيل كلينتون الانتخابية عام 1996 في الساحل الشرقي للولايات المتحدة حيث دار الحوار التالي حول مسار الحملة الانتخابية الحالية:
هل لديكم اي تقدير دقيق عن نتائج الانتخابات الرئاسية هذه المرة؟
ليس تماما بعد. ان فرصة المرشح الديموقراطي السيناتور باراك اوباما تزيد قليلا عن احتمالات نجاح منافسه الجمهوري السيناتور جون ماكين.
وبالامكان الآن القول ان التوازن هو عند 51 نقطة مئوية لاوباما و49 لماكين.
ويرجع السبب في عدم وضوح الصورة الى عامل اساسي يتعلق بالمسار المتوقع للازمة المالية.
واذا افترضنا ان الاسواق المالية اخذت في الابتعاد عن التقلبات الحادة التي تشهدها الآن وبدأت مرحلة من الهدوء فان الصورة قد تبدأ بدورها في التبدل على صعيد المعركة الانتخابية.
واعتقد ان ادارة الرئيس بوش تعي الآن السياسات التي طبقتها في مجال الاسواق المالية.
ونحن نرى الآن اتجاها لبناء اجماع دولي حول سبل العلاج واحلال الهدوء في الاسواق المالية، واذا ما حدث ذلك فان من شأن النتائج ان تفيد السيناتور ماكين، وفي المقابل فاذا استمرت حالة التقلب والقلق الراهنة في الاسواق المالية فان ذلك سيساعد اوباما.
الازمة المالية محور المعركة
ودعني اقول هنا ان قصة المعركة الانتخابية الحالية تتلخص في كلمتين: « الازمة المالية»، لقد كان هناك ضيق من تخبط السياسات العامة للادارة الجمهورية واخفاقها.
الا ان ماكين كان يستطيع التغلب على ذلك بانتقاد تلك السياسات ووضع مسافة محسوبة جيدا بينه وبين الرئيس بوش على نحو لا يغضب القاعدة الجمهورية المحافظة ويخاطب في الوقت ذاته منتقدي بوش من تيار الوسط في الحزبين.
لم يكن ذلك مستحيلا بالنسبة للسيناتور ماكين، ولكن مع انفجار الازمة المالية بات الامر مستحيلا تقريبا.
ويحتاج ماكين الآن الى قدر من الهدوء والى اداء عادي او شبه عادي في وول ستريت حتى يتمكن من وقف تقدم السيناتور اوباما.
بعبارة اخرى يحتاج المرشح الجمهوري الى اعادة الامل للناخب الاميركي واقناعه بان العاصفة قد مرت.
واذا جاز لي العودة الى الوراء قليلا فان ماكين كان بوسعه رفض صفقة الانقاذ التي اقترحها وزير المالية هنري بولسون وكان ذلك كافيا لانقاذ حملته ووضع اسس جديدة للعبة.
ولكنه لم يفعل.
واذا عدنا اكثر الى الوراء فان الرئيس السابق بيل كلينتون تمكن من هزيمة جورج بوش الاب لسبب واحد رئيسي ذلك هو انفجار فقاعة العقارات عام 1991 التي كانت اصغر حاليا من الفقاعة التي انفجرت الآن.
لقد ادرك كلينتون ذلك بسرعة واطلق شعاره الشهير آنذاك والقائل بان الاقتصاد سيحسم الانتخابات. واذا كان ذلك صحيحا في عام 1992 فان الاحرى به ان يكون اكثر صحة الآن.
اوباما اقرب لـ «وول ستريت»
ان كثيرين لا يدركون ان اوباما اقرب الى وول ستريت من ماكين.
ويكفي ان تقرأ قائمة اسماء مستشاريه الاقتصاديين اذ ان اغلبهم جاء من المؤسسات المالية ومن الادارة الثانية للرئيس كلينتون.
ان اوباما ينصت لروبرت روبن وماري سمرز وهما وزيرا مالية سابقين في ادارة كلينتون وجوزيف ستيغليتز الاقتصادي الرئيس في البنك الدولي سابقا والحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد.
واعتقد شخصيا ان اوباما رأى ان من الافضل ان تقدم الحكومة الفيدرالية المساعدة للسوق بدلا من ان تراقب انهياره.
وفي كل الاحوال فان اوباما يتقدم لعدد من الاسباب ابرزها الازمة المالية وعجز ماكين عن تقديم موقف يختلف جذريا عما يطرح الآن من حلول.
لقد افلتت في تقديري فرصة ذهبية من السيناتور ماكين ولا يمكن له الآن ان يعيد عقارب الساعة الى الوراء لاستثمار لحظة كان يمكن ان تعدل من المشهد الانتخابي الحالي.
العامل المالي
وبعد قول ذلك ينبغي ان اشير الى انني اعتقد شخصيا ان اوباما سيفوز.
فبالاضافة الى ما اشرت اليه هناك فارق تقني ان جاز التعبير.
ان اوباما يمتلك آلة انتخابية ضخمة تعمل على الارض في 50 ولاية.
ولديه فوق ذلك 3 اضعاف ما لدى ماكين من مال لتمويل حملته.
لقد تمكنا في حملة كلينتون من بناء تنظيم انتخابي ضخم ولكن ذلك التنظيم يعد صغيرا بالمقارنة بما بناه اوباما.
وليس لدى ماكين بنية تحتية تنظيمية تشبه او تقترب مما لدى منافسه.
محافظون ضد ماكين
هل تعتقد ان شريحة من المحافظين يمكن ان تصوت لصالح اوباما؟
نعم اعتقد ذلك. لقد رأينا تيارا ممن نسميهم «محافظي رونالد ريغان» يدعمون اوباما.
وهؤلاء المحافظون هم الذين يتبنون الريغانية كرؤية لدور الدولة في الحكم لاسيما في ادارة الانفاق العام.
من هؤلاء اذكر بصفة خاصة كريستوفر باكلي ابن وليام باكلي الذي يعد احد اهم مصادر افكار الرئيس الاسبق ريغان وديڤيد ميلتون فريدمان الذي كان احد منظري الريغانية واستاذا للاقتصاد في جامعة شيكاغو، وهذان الاسمان مهمان للغاية في تيار المحافظين حيث انهما يقودان مجموعة من الاكاديميين المحافظين ذات التأثير السياسي الكبير.
والمثير للدهشة انهما خرجا ليؤيدا باراك اوباما علنا.
لماذا؟
ان نقطة اعتراضهما الاساسية هي ان ادارة الرئيس بوش تنكرت للريغانية بزيادة الانفاق الحكومي خارج اي نطاق مفهوم او مقبول.
فضلا عن ذلك فان هؤلاء المحافظين يرتبطون بتطبيق الدستور بصورة حرفية وهم يعتقدون ان ادارة بوش تجاوزت عن ذلك في اكثر من مناسبة.
وفي تقدير هؤلاء ان اوباما الذي كان يحاضر في القانون الدستوري في جامعة شيكاغو لمدة 11 عاما والذي يعد احد ابرز الاكاديميين المتخصصين في القانون الدستوري في الولايات المتحدة سيحافظ على نص وروح الدستور بافضل مما حافظ عليه بوش وبأكثر مما سيحافظ عليه ماكين.
ان هؤلاء المحافظين يعاقبون الحزب الجمهوري وهو حزبهم في الاصل على تنكره للريغانية.
وفي كل الاحوال فاننا شهدنا عام 1982، اي خلال معركة ريغان ضد كارتر الديموقراطي، ما سمي آنذاك بديموقراطيي ريغان اي اولئك الديموقراطيون الذين قرروا الخروج عن حزبهم لانتخاب رئيس جمهوري بسبب ما اعتبروه اخفاقا لادارة الرئيس كارتر في ادارة الاقتصاد وفي ادارة الاوضاع في ايران التي تسببت في سقوط الشاه.
ونحن نرى الآن توجها مشابها ولكن في الاتجاه المعاكس.
كيف ترى انعكاسات انتخاب اوباما على الشرق الاوسط؟
الانطباع السائد هو ان اوباما يحظى بشعبية واسعة ليس فقط في الشرق الاوسط ولكن ايضا في اوروبا وآسيا.
وهذا في تقديري امر جيد لانه يكسر العزلة التي احاطت بالولايات المتحدة عالميا بسبب سياسات الادارة الحالية التي ادت الى عداء عام لنا في اركان العالم الاربعة، واعتقد شخصيا ان اوباما يدرك تماما تعقيدات الشرق الاوسط وانه اضطر اضطرارا لتبني بعض المواقف التي لم تنل اعجاب الدول العربية لاسيما بشأن اسرائيل.
ولكن من يعرفون الخريطة السياسية هنا يعرفون السبب الذي دفعه الى ذلك فهناك تأثير قوي لانصار اسرائيل في الكونغرس وفي الاعلام كما تعرفون، وواقع الامر ان المواقف العلنية اثناء الانتخابات لا ينبغي ان تزعج احدا فالمهم للمرشحين هو الفوز، والمهم هو ما سيفعله بعد الانتخابات اي في حالة فوزه.
واعتقد ان انتخاب اوباما سيحمل تحولا في علاقات الولايات المتحدة بالشرق الاوسط في عدد من المجالات المهمة ابرزها مفهوم الامن الاقليمي والتنسيق في قضايا الطاقة والمسألة الفلسطينية ومواجهة البرنامج النووي الايراني.
برأيك سيفاوض الايرانيين ام سيهدد بقصفهم؟
لا اعتقد انه سيهدد بقصفهم.
ان هناك اجماعا بين اجهزة الاستخبارات الاميركية على ان ايران ليست قريبة من صنع سلاح نووي.
لقد اختلف تقدير هذه الاجهزة بصورة جذرية مع التقديرات الاسرائيلية التي قالت ان امام الايرانيين ما يتراوح بين 12 و18 شهرا لصنع قنبلة نووية.
وكان هناك كما تعرفون ربما صداما بين الجانبين بهذا الشأن اذ اننا نعتقد ان معلومات الاسرائيليين خاطئة وقد اثبتنا لهم ذلك، وتقول كل المؤسات الاميركية ذات الصلة انه لايزال هناك فسحة من الوقت للديبلوماسية، ولكنني لا اعتقد ان اوباما او اي رئيس اميركي سيقبل بوجود ايران نووية في نهاية المطاف.
الا ان اعطاء الديبلوماسية بعض الوقت يعني التفاوض على نحو ما.