أعدت هيئة التخطيط في سورية مذكرة حول الأزمة المالية وأثرها على الاقتصاد السوري.
وبدأ نص المذكرة بالاشارة إلى أنه أصبح من المؤكد أن معدلات نمو الاقتصاد العالمي ستكون أقل في عام 2009 عما وصلت إليه خلال السنوات السابقة، على الرغم من محافظة الاقتصادات الناشئة على معدلات نمو قوية وأعلى من متوسط النمو الاقتصادي الدولي بكثير.
إلا أن الاقتصاد الأميركي الأكبر في العالم سيعاني بحسب المذكرة من معدلات نمو سالبة أو قريبة جدا من الصفر ويتبعه الاقتصاد الأوروبي، ومن ثم الاقتصاد الياباني وإن بصورة أقل ويأتي كل ذلك تبعا للتطورات التي حدثت مؤخرا والتي بدأت مع أزمة سوق الرهن العقاري في الولايات المتحدة وامتدت لتشمل الدول الأخرى نتيجة الأزمة الائتمانية واسعة النطاق التي أثرت بشكل كبير على النظام المالي العالمي.
واشارت الى ان ذلك ترافق مع انخفاض سعر صرف الدولار الأميركي وبقاء مشكلات الاختلالات الاقتصادية العالمية الكبرى دون حل، بالاضافة إلى ارتفاع أسعار النفط والسلع الغذائية كما أن ضعف أثر الاجراءات المتخذة على الصعيد الدولي نتيجة عدم تناولها المشكلات الأساسية لجذور الأزمة والتي يمكن إجمالها في طبيعة عمل أسواق رأس المال الدولية غير الخاضعة للرقابة أو للتنظيم والشفافية وروابط تلك الأسواق بالاقتصاد الدولي.
تحولات بنيوية
وتستنتج المذكرة ان هناك بوادر تحول جوهري في بنية الاقتصاد العالمي تفرضه الأزمة العالمية الحالية وان الاقتصادات الناشئة تمتلك إمكانات جيدة قد تمكنها من لعب دور مهم في إعادة صياغة النظام الاقتصادي الدولي الجديد في غضون العقد القادم (التنافسية، الابداع، شركات تصنف الأولى على الصعيد الدولي... الخ) في حال استمرار الأوضاع على ما هي عليه حاليا.
وتوقعت ان يكون الأداء الاقتصادي للدول النامية متفاوتا إلى حد كبير تبعا لدرجة ارتباطها بالسوق الدولي عموما وبالدول المتقدمة خصوصا، وتبعا لقدرتها على مواجهة مخاطر التغيرات الحادة في الظروف الاقتصادية الدولية، ناهيك عن مشكلاتها البنيوية الداخلية سواء كانت اقتصادية أو غيرها.
عدوى الأزمة
وأوضحت المذكرة أنه قبل الحديث عن تأثير الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد السوري لابد من الإشارة إلى أن عوامل انتقال الأزمة إلى سورية ضعيفة وذلك للأسباب التالية:
-
عدم وجود السوق المالية.
-
عدم اعتماد الاقتصاد السوري على نظام المساعدات والمعونات.
-
عدم وجود ارتباط بين القنوات المصرفية السورية والعالمية حتى أن المصارف الخاصة وشركات التأمين السورية في بداياتها.
-
تبعية سورية المالية والاقتصادية محدودة.
وفي ضوء ما تقدم يمكن دراسة أثر الأزمة المالية الحالية وتبعاتها المختلفة المشار إليها أعلاه على الاقتصاد السوري من خلال:
أولا: الآثار المباشرة:
التضخم: يتراجع التضخم نتيجة تراجع أسعار النفط والسلع الغذائية كمحصلة لتراجع النمو في الاقتصادات الكبرى، بالاضافة إلى مجموعة الاجراءات المتخذة على الصعيد الدولي من قبل المصارف المركزية للدول الكبرى، وهذا سيخفف من أثر التضخم المستورد إلى حد بعيد.
سعر الصرف: من المتوقع تراجع سعر صرف الليرة أمام العملات الأخرى.
الصادرات: سيكون هناك تراجع طفيف في حجم الصادرات إلى الدول الأوروبية بشكل خاص نتيجة تراجع معدلات النمو فيها.
المستوردات: نتيجة انخفاض الأسعار فإن حجم المستوردات سيزداد خاصة على السلع الكمالية والاستهلاكية (حيث تشير التوقعات إلى أن الأثر على الدول المستوردة لمثل هذه السلع سيكون أعلى منه على الدول الأخرى).
الاستهلاك الخاص: سيرتفع استهلاك الشرائح السكانية الأعلى دخلا الموجه للسلع المستوردة الكمالية على حساب الادخار بينما ينخفض استهلاك الشرائح السكانية الأقل دخلا نتيجة عوامل عدة أهمها انخفاض حجم التحويلات والصادرات وبالتالي ستكون المحصلة انخفاضا عاما في الاستهلاك الخاص.
زيادة عجز الموازنة العامة للدولة.
ثانيا ـ وفي الآثار غير المباشرة سجلت المذكرة:
الاستثمار الأجنبي المباشر: نتيجة تزايد حالة عدم اليقين ونسبة المخاطرة من المتوقع أن ينخفض الاستثمار الأجنبي المباشر بل ومن المتوقع توقف بعض المستثمرين عن المتابعة في تنفيذ استثماراتهم أو التخلي عنها بصور مختلفة يضاف إلى ذلك الآثار السلبية التي ستنتج عن تزايد ضعف كل من الدولار واليورو.
انخفاض تحويلات المغتربين
التحويلات: نتيجة تأثر الدول الخليجية خصوصا ودول الاغتراب عموما بشكل مباشر بالأزمة الحالية (نظرا لارتباطها الوثيق بالاقتصادات الكبرى) فإن تحويلات السوريين ستتأثر سلبا.
النمو والتوظيف ومستوى المعيشة: ستكون حصيلة الآثار المذكورة سابقا سلبية ولكن محدودة على معدل النمو الاقتصادي وبالتالي على التوظيف ومستويات المعيشة خاصة للأسر المعيشية ذات الدخول المنخفضة إذا أخذنا في الاعتبار أن هناك مشكلة في توزيع وإعادة توزيع الدخل.
تلافي السلبيات
واستطردت المذكرة أنه من المتعارف عليه أن كل أزمة تتضمن مجموعة من التحديات والفرص في آن واحد، حيث يمكن استغلال الأخيرة من أجل تعميق عملية الاصلاح بكل جوانبه، وعلى الرغم من وجود بعض المتغيرات التي لا يمكن التحكم بها (عوامل خارجية)، إلا أنه يمكن معالجة وتلافي الآثار السلبية التي يمكن أن تحدث على الرغم من ضآلتها انطلاقا من النقاط الأساسية التالية:
وجود إدارة للاقتصاد الكلي تعمل على تنسيق مختلف سياسات الاقتصاد الوطني على المستوى الكلي (المالية والنقدية والتجارية وغيرها...) وتتماشى مع السياسات القطاعية وتمنع التعارض فيما بينها في سبيل تحقيق الأهداف التي حددتها الخطة الخمسية العاشرة والتي تعالج معظم المشكلات الموضحة أعلاه.
الاسراع في تنفيذ برامج الحماية الاجتماعية.
معالجة مشكلات الاستثمار والبيئة الاستثمارية والتوجه نحو القطاع الخاص الوطني والنظر إليه كشريك أساسي في عملية التنمية.
دعم عمليات الرقابة خاصة المالية والائتمانية منها وتفعيل الرقابة على الأسواق فيما يتعلق بالأسعار وحماية المستهلك والالتزام بالشفافية والمساءلة وسيادة القانون.
تفعيل وزيادة الاستثمار العام كما ونوعا وذلك لمواجهة انخفاض الطلب الكلي المتمثل بشكل أساسي في انخفاض الاستثمار الخاص والاستهلاك الخاص، يترافق ذلك مع ضبط وترشيد الانفاق الجاري.
التركيز على الانتاجية لكونها تشكل الأساس الذي يبنى عليه الاقتصاد القوي الذي يستطيع مواجهة مثل هذه الأزمات.
إن ما ذكر في البندين رقم 1 و5 أعلاه يمثل المعالجات التي جاءت عليها الخطة الخمسية العاشرة وبالتالي فإن التركيز على تنفيذها سيعود بالنفع على الوضع الاقتصادي والاجتماعي لسورية.
صفحة شؤون سورية في ملف ( pdf )