بيروت ـ عمر حبنجر
غابت مظاهر الاحتفال لعمال لبنان في عيدهم امس، والذي لم يبق من معالمه سوى العطلة الرسمية، واستمرت تداعيات اطلاق الضباط الاربعة تحتل مساحة الاهتمامات الوطنية، خصوصا على الجانب القضائي الذي استهلك معظم جلسة مجلس الوزراء يوم الخميس.
ورفعت اطلالة الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله التلفزيونية المسائية امس، حرارة النقاش حول هذا الموضوع من خلال عرضه لمواقف الحزب من اطلاق الضباط، حيث أكد انه يرفض أي اعتقالات جديدة في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق الشهيد رفيق الحريري لا ترتكز على أدلة، معتبرا ان عمل لجنة التحقيق الدولية خلال السنوات الماضية كان مسيّسا.
وقال نصرالله: ان قرار إطلاق سراح الضباط الاربعة من قبل قاضي الإجراءات التمهيدية في المحكمة الدولية دانيال فرانسين يوم الاربعاء الماضي «دليل قاطع على ان لجنة التحقيق الدولية خلال عملها كانت مسيسة وغير نزيهة وغير عادلة ولا تخضع للمعايير القانونية والقضائية».
واعتبر ان «الاتهام السياسي للضباط» كان يمكن ان يؤدي الى «حرب اهلية واقليمية في المنطقة والى استدراج جيوش غربية وأميركية الى سورية ولبنان ولكن تم تفويت هذه الفرصة من خلال قرار الرئيس السوري د. بشار الأسد بسحب القوات السورية من لبنان».
وأضاف ان «الاعتبارات التي منعت إطلاق سراح الضباط الأربعة هي اعتبارات سياسية بحتة».
مسارات المحكمة الدولية
وتساءل نصرالله عن المسارات التي يمكن ان ينتهجها المدعي العام في المحكمة الدولية القاضي دانيال بلمار في التحقيق خلال المرحلة المقبلة، قائلا: «لن نقبل اعتقالات جديدة دون أدلة كما حصل مع الضباط الأربعة».
ورأى نصرالله في كلمته ان قرار الإفراج عن الضباط «أنهى مرحلة سوداء واليوم نحن امام مرحلة جديدة ولن نحكم على هذه المرحلة ويجب على التحقيق الدولي والمحققين والقضاة الدوليين ان يثبتوا انهم حرفيون وعادلون وبعيدون عن التسييس ونزيهون».
ودعا نصرالله الى «محاسبة واعتقال شهداء الزور لمنع فتح الباب امام شهود زور جدد وكل من ضلل التحقيق خلال السنوات الأربع الماضية».
وطالب بتحقيق جدي علمي تقني موضوعي للوصول الى حقيقة من اغتال رئيس الوزراء الأسبق الشهيد رفيق الحريري.
وجدد المطالبة بـ «وضع الفرضية الإسرائيلية» في عملية الاغتيال، مؤيدا ما جاء على لسان رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري يوم الأربعاء الماضي عندما قال ان «عملية الاغتيال لا يمكن ان يقوم بها فرد او جماعة عادية».
وقال ان «إسرائيل تملك الدافع والمصلحة لاغتيال الحريري»، مشيرا الى ان فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي ألقى القبض على شبكات تجسس إسرائيلية في الأسابيع الماضية. وأضاف «تبين ان الوجود الأمني الإسرائيلي في لبنان قوي جدا».
وحول الانتخابات النيابية المقبلة في لبنان قال نصرالله ان «الانتخابات النيابية منتهية» اذ ان اطلاق الضباط الأربعة في هذا التوقيت لن يؤثر على نتائج الانتخابات. من جهة أخرى تطرق نصرالله الى موضوع الخلاف بين حزب الله ومصر حول اعتقال السلطات المصرية مجموعة تابعة لحزب الله بقيادة سامي شهاب حيث كانت تقدم الدعم لحركة حماس في غزة، فقال: «لن ندخل في مواجهة، ونحن لم ننشئ تنظيما في مصر، ونحن لم نستهدف مصر أو أمنها أو نظامها أو استقرارها». وأوضح ان حزب الله «يعمل لقضية مركزية هي دعم القضية الفلسطينية»، آملا في ان تصل المساعي التي يقوم بها أكثر من طرف الى النتائج المرجوة لإنهاء هذه القضية.
مجلس الوزراء
قضية الحملة على القضاء حضرت بقوة في مناقشات مجلس الوزراء مساء الخميس، واخذ المجلس علما باجتماع مجلس القضاء الأعلى يوم الثلاثاء المقبل بناء على طلب وزير العدل ابراهيم نجار.
ويبدو ان نقاشا طويلا جرى خلال الجلسة التي ترأسها الرئيس فؤاد السنيورة واستمرت زهاء ثلاث ساعات، حيث طالب فريق المعارضة بمساءلة القضاء في قضية الضباط ورد وزراء الموالاة رافضين اي مس بالسلطة القضائية، وطالب وزير العدل ابراهيم نجار الذي طالته الحملة على القضاء، بترك الموضوع للقضاء نفسه، والمحافظة على فصل السلطات واستقلالية القضاء، ووافق مجلس الوزراء على هذا الطلب. وذكرت صحيفة «النهار» ان التصعيد الكلامي الذي واكب اطلاق الضباط انحسر على طاولة مجلس الوزراء من خلال الموافقة الاجماعية على مقترح الوزير نجار، وكان اللافت تأكيد ممثل حزب الله في الحكومة الوزير محمد فنيش التزامه الموقف الصادر عن مجلس الوزراء، وقال: صحيح اننا طالبنا بالمساءلة، لكن ضمن حدود احترام الصلاحيات وفصل السلطات واستقلالية القضاء.
الى ذلك، أكد مصدر قضائي بارز لـ «الأنباء» ان الاجتماع سيبحث بندا وحيدا وهو الاستهداف غير المسبوق للجسم القضائي والاستهداف المباشر لصرح العدالة الذي يبقى الملاذ الأخير ليس للبنانيين فحسب، بل لكل المقيمين والمستثمرين، وفي حين رفض المصدر التكهن بالمعلومات التي تحدثت عن استقالات جماعية للقضاة والقرارات التي ستصدر عن المجلس، اكد ان القضاء لا يستقيل من دوره وهو لن يقدم خدمة للمتطاولين عليه الذين يرغبون في دفعه الى مواقف كهذه.
واشار المصدر الى ان القضاء الذي يضع على عاتقه حماية حقوق الناس يعرف تماما كيف يحمي نفسه من المتطاولين عليه، مشيرا الى ان ثمة قرارات ستصدر وهي ستكون ذات تأثير كبير، واذ رفض الكشف عن ماهية هذه القرارات أوضح ان من أولويات مجلس القضاء الدفاع عن القضاة المستهدفين وربما الإيعاز الى النيابات العامة بفتح تحقيق هادئ ومدروس بما يحفظ للقضاة كراماتهم، من دون ان يسبب تحقيق كهذا أي استفزازات أو يوحي باستهداف لجهة معينة، خصوصا ان مطلقي النار السياسية على القضاء معظمهم من النواب وبعض الشخصيات السياسية والدينية التي تتمتع بحصانات.