لم تفلح جميع المبادرات الديبلوماسية والدولية لوضع حد لحرب إسرائيل على غزة رغم كل الجهود والضغوط لوقفها، ناهيك عن طلب الرئيس الأميركي باراك أوباما من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وقفا فوريا وغير مشروط للهجوم برا وبحرا وجوا.
ويبدو من التطورات الميدانية أن الحرب على غزة ستطول، وهناك أربعة أسباب رئيسة تدفع لإطالتها:
٭ الأول هو أن الطرفين لم يحققا أهدافهما السياسية أو العسكرية حتى الآن، فإسرائيل غيرت أهداف حربها، وبالتالي فإنها تريد المزيد من الوقت لتحقيق الأهداف الجديدة التي أصبحت الآن علنية، وهي تجريد غزة من السلاح والقضاء على البنية العسكرية لحماس وللجهاد الإسلامي، بما في ذلك مراكز القيادة والتحكم والأنفاق والقضاء على مسالك تهريب السلاح.
وتستند الحكومة الإسرائيلية إلى رأي عام مؤيد لاستمرار الحرب على غزة بغض النظر عن الخسائر الجسيمة التي تضرب المدنيين كما أنها تخضع لضغوط الجناح اليميني الأكثر تشددا من نتنياهو.
ويرى القادة العسكريون الإسرائيليون الذين فوجئوا بقدرة حماس والجهاد على تهديد نصف إسرائيل بالصواريخ بما في ذلك المطار الرئيس «بن غوريون» وعزلها عن العالم، أن الفرصة اليوم متوافرة للضغط عبر الحرب على الأسرة الدولية للتخلص من التهديد العسكري، ومن صواريخ حماس لسنوات طويلة.
وفي المقابل، فإن حماس بحاجة إلى «انتصار ما» يكون بمستوى التضحيات ويستجيب للهدف الأول من المواجهة، وهو كسر عزلة القطاع وفتح المعابر مع مصر وإسرائيل والسماح بدخول وخروج البضائع، والوصول إلى تطبيع الوضع بعد التضييق الذي تعرض له القطاع.
ومادام الطرفان لا يريان أنهما حققا أهداف الحرب بشكل أو بآخر، فإن الجهود الديبلوماسية لن تنجح في وقفها.
٭ الثاني يكمن في ضعف الإدارة الأميركية وعجزها عن لي الذراع الإسرائيلية، إذ إنها خرجت خاسرة من المواجهة مع نتنياهو الذي رفض خطة الوزير جون كيري بحجة أنها لا تأخذ بعين الاعتبار نزع سلاح غزة، وأنها تراعي مصالح حماس على حساب إسرائيل.
وهناك من يعتبر أن إسرائيل ترد على انفتاح أوباما على إيران، وتستند في رفضها إلى الدعم الذي تحظى به في مجلس الشيوخ وإلى اقتراب موعد الانتخابات النصفية في نوفمبر المقبل.
وفي الواقع، فإن واشنطن لم تنخرط بشكل كاف لوقف الحرب أو لتوفير شروط وقفها.
٭ الثالث هو مراعاة العواصم الأوروبية الظروف الإسرائيلية، وتفهمها حاجة تل أبيب للتخلص من تهديد الصواريخ من غير أن تعبأ بالأسباب العميقة لهذه الأزمة، وربما أفضل مؤشر هو ما صدر عن قصر الإليزيه من أن لإسرائيل الحق في اتخاذ جميع الإجراءات لحماية مدنييها من غير الإشارة إطلاقا للضحايا المدنيين الفلسطينيين، ما فهم على أنه «شيك على بياض» قدم لنتنياهو.
٭ الرابع هو الانقسامات الفلسطينية، وشلل الجامعة العربية وضعف التأثير العربي على المسرح الدولي، وقصوره عن الضغط عليه لدفعه إلى التحرك، بسبب الحروب والنزاعات التي تضرب الكثير من بلدانها (من سورية إلى العراق وليبيا واليمن).
تجدر الإشارة الى أن حرب إسرائيل على غزة أشعلت الخلاف بين أميركا وإسرائيل.
ولا تتعلق الخلافات بصدامات مصالح بين الدولتين، بقدر ما تتعلق بالخلاف حول ما تعتبره كل واحدة مصلحة عليا لإسرائيل.
فالإدارة الأميركية تحاول التأكيد أن خلافها مع نتنياهو ينبع من رغبة في تجنيب إسرائيل أوضاعا أسوأ دوليا وإقليميا.
بل إن نظرة واشنطن إلى حماس في الوقت الراهن تنطلق من واقع أن البديل للحركة هو تنظيم «داعش»، وأن هذا خطر على إسرائيل أولا وبعدها خطر على العالم وأميركا أيضا.
كما أنها تخشى من انهيار السلطة الفلسطينية في رام لله.
وكانت إسرائيل شنت حملة عنيفة على وزير الخارجية الأميركي جون كيري الذي قدم خطة لحل الأزمة تتضمن: وقف نار مؤقت لأسبوع يبدأ، تبقى خلاله القوات الإسرائيلية في أماكن تواجدها وتواصل عملها ضد الأنفاق.
وخلال وقف النار تبدأ مفاوضات بين إسرائيل وحماس بوساطة مصرية وبمشاركة السلطة الفلسطينية لتحقيق تسوية أكثر ثباتا.
وتضمن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة للطرفين أن المفاوضات ستطول القضايا المهمة لهما، نزع الصواريخ والأنفاق كمطلب إسرائيلي وإزالة الحصار وإعادة إعمار القطاع كمطلب فلسطيني.
ورفضت إسرائيل الخطة لأنها لم تشتمل على أمرين أساسيين: حرية عمل الجيش الإسرائيلي في تفجير الأنفاق ومنحها إنجازا سياسيا واضحا يرتبط بتجريد غزة من سلاحها الصاروخي.
واعتبرت أن خطة كيري تعمل ضد المصالح المعلنة لواشنطن في المنطقة من ناحية، وضد حلفاء أميركا في المنطقة، وعلى رأسهم مصر والسعودية والأردن وإسرائيل طبعا.
وأظهرت كيري وكأنه يخدم حركة حماس ويقدم الجوائز لها ويتبنى مطالب رعاتها القطريين والأتراك.