بيروت ـ عمر حبنجر
في الكويت «هجوم» نسائي على مجلس الأمة، 16 مرشحة من أصل 211 لمجلس الخمسين مقعدا، في لبنان الرجال أشد حصارا للحياة النيابية، ومع ان الوجود النسائي في البرلمان اللبناني (128 نائبا) قديم ويعود إلى زمن الستينيات من القرن الماضي، إلا ان اختراقه الواسع للحصار المضروب في المرحلة الأخيرة تم في غالبه بحراب ارثية وتحت عنوان متابعة الرسالة، أو إيصال الشعلة إلى نهاية الطريق السياسي والوطني المرسوم.
على ان هذا لم يمنع بروز بعض التطلعات من خارج هذا التوصيف، عبر سيدات الاتحادات النسائية أو العاملات في المجالات الإعلامية أو الحزبية إلى جانب الخدمة الاجتماعية التي هي المدخل الرحب الى قلوب الناخبين.
الهام سعيد فريحة المدير العام لـ «دار الصياد» ساد الانطباع بأنها ستكون بين المرشحات العشر للدورة الانتخابية المقبلة في لبنان، بحكم علاقاتها السياسية والاجتماعية الواسعة، والأدوار الجسورة التي لعبتها، عبر ادارتها لإحدى أهم دور النشر في المنطقة العربية، والتي تصدر يومية «الأنوار» واسبوعية «الصياد» السياسية العريقة، إضافة الى مجلة الشبكة الفنية وغيرها من الشهريات المتخصصة، منذ اندلاع شرارة الأحداث اللبنانية عام 1975، وكان صمودها مع الدار الواقعة في ضاحية الحازمية، في مرمى نيران المتصارعين مشهودا، بل اسطوريا بمقياس المخاطر التي سادت في تلك الحقبة السوداء من تاريخ لبنان، حتى لقبت بـ «السيدة الحديدية» في الصحافة اللبنانية.
لقد حددت اتجاهها السياسي الوطني والقومي باكرا، واختارت الأرضية الوطنية الصلبة لتقف عليها، انه تاريخ دار الصياد وتركتها الحافل بالمواكبة الدؤوب لمحطات العزة العربية، منذ نشأتها مع استقلال لبنان عام 1943.
إلهام فريحة، الكاتبة بأسماء متعددة، ولغاية واحدة، وهي رؤية المجتمعات العربية، مرمى للمنافسة بين المرأة والرجل في الابداع والابتكار، اتسمت كتاباتها بالجرأة، رغم علمها بأن للجرأة ثمنا وللشجاعة مقابلها.
تحدثت لـ «الأنباء» عن نظرتها لتطور الأوضاع اللبنانية، انطلاقا من الاستحقاق الانتخابي، الذي يصادر اهتمامات الجميع في لبنان الآن. وفيما يلي نص الحوار:
الهام فريحة، المدير العام لـ «دار الصياد» في لبنان كما في معظم البلدان الديموقراطية تعد الصحافة من أسرع الطرق الى الندوة النيابية، وإذا نظرنا الى مشاركة العنصر النسائي في هذه المعمعة نجد الوزيرة بهية الحريري والنائب ستريدا جعجع والنائب جيلبرت زوين والنائب نايلة معوض، ولا ندري من سيبلغ نهاية هذا السباق قريبا، انما كان الانطباع السائد بأن السيدة فريحة ستكون ضمن قافلة المتسابقات الى مجلس ساحة النجمة هذه الدورة، لكن مع اقفال باب الترشيحات لم يتبين ذلك، فما الذي حصل؟
شكرا على الثقة ولكن الشأن العام لا ينحصر بالعمل النيابي فهناك العمل الوزاري وهناك العمل الانساني، كما هناك العمل السياسي من خارج المواقع الرسمية. منزل الوالد سعيد فريحة هو منزل سياسي بامتياز فمن خلال «دار الصياد» كان الوالد قبلة انظار السياسيين من رؤساء ووزراء ونواب ورؤساء احزاب خصوصا انه رجل منفتح ومؤمن بالقومية العربية بمقدار تعلقه بلبنان، ومع ذلك لم يطلب شيئا لنفسه بل عمل للآخرين.
تربينا على هذا النهج، لم نطلب شيئا لانفسنا، ساهمنا بقدراتنا الإعلامية المتواضعة في ايصال الكثيرين وكنا في غاية الارتياح.
المرأة نصف المجتمع فلماذا تغيب؟
في الكويت أيضا، هناك هجمة نسائية غير مسبوقة على مجلس الأمة هل تعتقدين، بحكم علاقاتك الكويتية ومتابعتك لشؤون الكويت، ان بوسع المرأة الكويتية اختراق الجدار الذكوري المحتكر للحياة التشريعية في هذا البلد العربي المتطور؟
المرأة الكويتية، كما المرأة اللبنانية، مثابرة ومكافحة وتستحق ان تتبوأ أعلى المراكز والمراتب، فإذا كانت المرأة نصف المجتمع فمن غير الجائز ان يبقى هذا النصف مغيبا عن المساهمة في انهاض المجتمع.
من هنا نرى هذا التحفز النسائي الكويتي لشغل المناصب العامة في البلاد. في لبنان واجهنا ضمورا في الدور النسائي في بادئ الأمر، لكن المرأة اللبنانية اثبتت جدارتها في حمل القضايا السياسية، مما جعلها موضوع تقدير واعجاب. وهذا ما هو منتظر من المرأة الكويتية، خصوصا في هذه الحقبة المصيرية. لا شيء يأتي من دون انكباب على المسؤوليات، ومن دون حرص على النجاح، وهذا ما هو متوقع من المرأة الكويتية.
هناك اكثر من وجه شبه لمستوى المناخ السياسي السائد في الكويت بما يحدث في لبنان، كصحافية واسعة الاطلاع اين ترين العناصر الاكثر ايجابية في هذا التشابه، وما الذي بوسع الصحافة ووسائل الاعلام في البلدين ان تقدمه لتوسيع نطاق الايجابيات على حساب السلبيات في هذا الصدد؟
العناصر الاكثر ايجابية في هذا التشابه هي الديموقراطية، ففي بلدان العالم الثالث، ونحن منها، لا يتم تصحيح الاخطاء في الديموقراطية الا بالمزيد من الديموقراطية لان البديل منها هو النظام السلطوي، وقد عانينا منها في لبنان أشد المعاناة خصوصا من قبل اشخاص قدموا الاستقرار على الديموقراطية فتذرعوا به ليمارسوا ابشع انواع تقييد الحريات.
من هنا ينبغي لنا ان نتحرر من العقول البالية والذهنيات المتأخرة في فهم التخلف الذي يعطي الاولوية للتضييق الفكري وحجب الديموقراطية خوفا من عدم ادراكنا لمفاهيمها السياسية. لقد اثبتت الايام ان التسلط هو اسوأ برهان على القصور في فهم الديموقراطية والحرية السياسية والانسانية.
بالعودة إلى الداخل اللبناني، يبدو أن حدث اطلاق الضباط الاربعة في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ضاعف من حرارة الاجواء السياسية المرتبطة بالاستحقاق الانتخابي فما رأي السيدة فريحة في عملية الافراج، من حيث التوقيت السياسي، وأيضا من حيث المضمون القانوني؟ وماذا تتوقعين من ارتدادات سياسية محلية لهذا الاجراء، وقضائية دولية على مستوى عمل المحكمة الخاصة بلبنان؟ وهناك حملة فشلت من قبل اللواء جميل السيد تطالب باستقالة مدعي عام التمييز سعيد ميرزا والمحقق العدلي صقر صقر وعضو المحكمة الدولية رالف رياشي، تقابلها حملة مضادة من قبل الموالاة اضافة الى المراجع الروحية، برأيك المسموع، أي نهاية تتوقعين لهذه المواجهة؟
إطلاق قانوني
لا توقيت سياسيا لإطلاق الضباط الأربعة، فهؤلاء أدخلوا الى السجن بتوصية من المحقق الدولي السابق ديتليف ميليس وأطلقوا بتوصية من المحقق الدولي دانيال بلمار، اذن المسألة محض قانونية، لكن الالتباس الذي حصل ليس على مستوى الرأي العام العربي بل على مستوى الرأي العام اللبناني هو ان هذا الإطلاق اوحى وكأن هناك تبرئة، علما ان الحقيقة هي غير ذلك، ففي مضمون التوصية التي اصدرها القاضي بلمار ان عملية الاطلاق تمت «لعدم كفاية الدليل حتى الآن»، ومن المفيد الإشارة هنا الى ان النظام القضائي الانغلوساكسوني لا يجيز التوقيف الاحتياطي وان المحكمة لديها سلطة استدعاء اي شخص ترى انه يفيد التحقيق وإذا وجدت في افادته ما يؤكد تورطه تستطيع توقيفه.
من وجهة نظري، ومن وجهة نظر كثيرين في لبنان، ان فتح ملف الإصلاح القضائي في لبنان كان يجب ان ينطلق منذ ان اصبح اتفاق الطائف دستورا للبلاد، فالممارسات التي حصلت منذ ذلك التاريخ وحتى عام 2005 كانت بعيدة كل البعد عن روح العدالة ويذكر الكثير من اللبنانيين الممارسات الكيدية التي حصلت في مطلع عهد الرئيس لحود من توقيف مديري عموم واستدعاء وزراء ونواب للتحقيق معهم، ومن يرفعون الصوت اليوم مطالبين بمحاسبة القضاء عليهم ان يبدأوا بأنفسهم فالذاكرة الجماعية اللبنانية لم تنس بعد ممارساتهم على مدى اكثر من عقد من الزمن.
واجهنا الأزمة المالية بشد الأحزمة
وكيف تواجه «دار الصياد» الأزمة المالية العالمية وانعكاساتها على لبنان والمنطقة الخليجية والعربية؟
المؤسسة الخاصة التي تتولاها ادارة دينامية وحديثة يمكن فيها اتخاذ القرارات الصعبة دون عوائق بيروقراطية، كما يحدث في المؤسسات الرسمية، انه ظرف استثنائي يحتاج الى التضحية، والى شد الأحزمة دون ان ينعكس ذلك على الخدمة التي تقدمها المؤسسة عبر منشوراتها الى القارئ، وتجاوزت الصحافة منافسة التلفزيون والانترنت، غير ان هذه الأزمة المالية العالمية هي الأشد، وأسرة «الدار» من صحافيين واداريين وقفت دائما صفا واحدا في التضامن مع مؤسستهم، ومعظمهم امضى معظم سنوات عمره فيها، غير ان هذا وحده لا يكفي، وتعتز «دار الصياد» بأن صداقاتها وعلاقاتها التاريخية في العالم العربي، خصوصا في المنطقة الخليجية كانت دائما السند والعون في السراء والضراء، وقد احتفظت «دار الصياد» بالوفاء على مدى عقود عديدة، ـ ولاتزال ـ لهؤلاء الكبار في الكويت ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين، والمملكة العربية السعودية وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير سلطان بن عبدالعزيز وسلطنة عمان وغيرها من الدول في مشرق العالم العربي ومغربه.
كيف هو الوضع الإنساني في «دار الصياد» وكيف عالجت ما طرأ ويطرأ عليها من مصاعب وأزمات في هذه الظروف الحرجة؟
«دار الصياد» كان لها الى جانب تقدمها التقني والعلمي، منظور انساني رافق انطلاقتها الأساسية، ذلك ان والدي سعيد فريحة، قد نشأ وعاش في ظروف صعبة، وواجه المشاكل طوال حقب حتى تجاوزها بنجاحاته المهنية وروحه الانسانية، فكانت مؤسسة سعيد فريحة وأولاده للخدمات الاجتماعية والعلمية ترعى احلام الأجيال الطالعة، وتتعهد طموحاتهم ونجاحاتهم من المدرسة الى الجامعة، وهذه هي ابرز ما زرعه سعيد فريحة ونحصده في الأيام الصعبة والحالكة، والتي عالجت مئات الآلاف من الأطفال من مختلف المناطق اللبنانية مجانا.
علاقات خليجية مميزة
علاقات «دار الصياد» قديمة وراسخة مع الخليج العربي منذ عهد والدكم الراحل سعيد فريحة، ما جديدكم على هذا الصعيد؟
من المعروف عن والدي الراحل سعيد فريحة انه كان عربيا قومي النزعة والهوى، وأقام علاقات راسخة مع مصر عبدالناصر والرئيس فؤاد شهاب، ودافع عن كل القضايا العربية والقومية من الجزائر الى الخليج، وربطته علاقة اخوة وصداقة مع الراحل الكبير أمير الكويت الشيخ جابر الاحمد يوم كان وزيرا للمالية، وكانت له الأيادي البيضاء في تطوير «الدار» وتنميتها، وكذلك مع الراحل الكبير الشيخ زايد بن سلطان مؤسس دولة الإمارات، والراحل الكبير الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة امير البحرين وشخصيات كبيرة في المملكة العربية السعودية من أيام الراحل الكبير الملك عبدالعزيز الى انجاله وفي مقدمتهم الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز وغيرها، وقد اورثنا والدنا اصول المحبة والوفاء لهذه الشخصيات العظيمة ولأوطانهم وشعوبهم، فتابع أبناء سعيد فريحة المسير على هذه الطريق خصوصا شقيقنا بسام فريحة الذي كان دائما الصديق الصدوق لهؤلاء الرجال الكبار، وتابع المسيرة على نهج الوالد الكبير في اخلاصه ومواهبه واثبت بسام فريحة خلال 30 عاما بعد رحيل والدنا انه على قدر كبير من الصداقات والوفاء، بما اوتي من ذكاء وعلم وفطنة.
وقد اسعدني وشرفني ان تشملني «أم الإمارات» الشيخة فاطمة بنت مبارك بصداقتها وعاطفتها، وان يشرفني صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الاحمد أمير الكويت وسمو ولي العهد الشيخ نواف الأحمد بمعاملة الشقيقة، وان يخصني سمو رئيس وزراء الكويت سمو الشيخ ناصر المحمد بمودته ورعايته.
10 أعوام بألف عام
مع كل الحب الذي لديك ومعرفة الحياة السياسية التي بدأت منذ عهد الرئيسين الياس سركيس وامين الجميل وحقبة العماد عون وصولا الى عهد امـيل لحود والتــمديد له أليـس لديك ما تكتـبينه؟
أعكف على كتابة مذكراتي بمقدار ما يسمح لي الوقت في ظل المسؤوليات التي اتحملها، لكن ما يجعلني اخصص وقتا لهذه المذكرات هو انني سأكشف فيها حقيقة ما جرى منذ عام 1990 حتى اليوم خصوصا المرحلة الممتدة من عام 1994 حتى عام 2004، وقد يكون عنوانها: «عشرة أعوام بألف عام» خصوصا لما تضمنته من تطورات سياسية وأمنية ومالية وقضائية، ليس هناك في هذه المذكرات «ابطال» على غرار الروايات القصصية بل اشخاص وضعوا على وجوههم اقنعة «البطولة» ليظهر لاحقا انهم خدعوا الشعب وينتهي بهم الأمر انهم خدعوا أنفسهم.
كيف تصفين لنا علاقتك برئيس تكتل المستقبل وزعيم الأكثرية النيابية الشيخ سعد الحريري؟
علاقة عائلية ممتازة فيها كل الود والصدق خصوصا اننا نلتقي تحت شعار كبير، ملون بالأزرق الذي يرمز الى تيار المستقبل: «ما مننسى مادام السما زرقا».
ندمت على دعم من لا يستحق
هل ندمت على شيء قمت به في حياتك؟
عموما لم افعل شيئا وندمت عليه، لأنني مفطورة على العطاء بلا مقابل، هكذا تربيت على هذه الخصال في بيت سعيد فريحة الإنسان الذي أورثني مجدا ادبيا أفاخر به واعتز به على مدى الحياة، لكن وحتى اكون صريحة، فثمة شيء واحد ندمت عليه هو الدعم الإعلامي والمعنوي واحيانا السياسي الذي قدمته للعهد الماضي قبل 8 اعوام من تسلم العماد اميل لحود رئاسة الجمهورية، ذلك ان اقرب رجل اليه، مساعد مدير المخابرات يومذاك، وقبل وصولهما الى الموقع الرئاسي بـ 8 أعوام كنت ادعمهما في مزاعمهما بقيام دولة القانون والمؤسسات، فقد قابلا دعمي لهما بنسج حكايات منسوبة الى رئيس الجمهورية يومئذ الياس الهراوي الذي كان بمنزلة أخينا الكبير، هو وزوجته اللبنانية الأولى والصديقة العزيزة منى الهراوي، الأمر الذي جعل علاقات الصداقة بيننا علاقات متوترة، انقطع خلالها عهد الود معهم الى ان انكشفت الخطايا فيما بعد، واتضح لنا نحن الاثنتين عائلة الرئيس الراحل وزوجته العزيزة على قلبي اننا وقعنا ضحية عملية «فرق تسد» الى ان انتصرنا معا على ما فعله المستفيدون وعدنا الى حقيقة نياتنا الصادقة وعدت اقرب الناس الى العائلة الكريمة والعزيزة الى قلبي.