غيب الموت في الرياض الأربعاء الماضي رئيس الديوان الملكي السعودي السابق محمد النويصر بعد حياة دامت 80 عاما، ودخل النويصر، شيخ السياسة الثمانيني، العمل الحكومي قبل ثمانية وستين عاما من خلال عمله الأول في وزارة المالية، وأمضى من تلك الفترة اثنين وأربعين عاما في منصبه كرئيس للديوان الملكي، وهي فترة قياسية لم تسجل لها سابقة في هذه المملكة النفطية.
وكانت النقلة الأهم له على لوح الشطرنج السياسي في بلاده في عام 1964 هي عمله كرئيس للديوان الملكي في عهد الراحل الملك فيصل بن عبدالعزيز ثالث ملوك السعودية والتي من خلالها استمر في الحفاظ على منصبه الحيوي حتى ترجل نهائيا في أحد أيام سبت أغسطس من عام 2005.
وولد النويصر في مكة المكرمة التي درس بها حتى التحق بأول عمل له في وزارة المالية أيام الوزير الشيخ عبدالله السليمان إلى أن تم إيفاده لحائل لتنظيم شؤون المالية فيها، واستبقاه هناك الأمير عبدالعزيز بن مساعد عدة سنوات.
وبعدها التحق بديوان الملك في الحجاز وعمل سكرتيرا مع إبراهيم العقيل، الأمر الذي مكنه من مرافقة الملك ـ الأمير حينها ـ فيصل بن عبدالعزيز في العديد من رحلاته، والتي كان من أبرزها رحلة سان فرانسيسكو في منتصف الأربعينيات من القرن الفائت لتوقيع ميثاق الأمم المتحدة.
ومن تلك الرحلات أصبحت علاقته مع الملك فيصل تتوثق وتتدرج حتى أصبح رئيسا للديوان الملكي وفق ما يقول المؤرخ السعودي المعروف عبدالرحمن الشبيلي.
وبعدها انتقل إلى العمل في ديوان الملك خالد في خطة سير دؤوبة استطاع من خلالها النويصر أن يكمل ما بدأه في عهد الملك فيصل من عمل منهجي جمع فيه بين الرتم الكلاسيكي المعتاد والحداثة المتطورة ليجعل من ديوانه منفتحا على جميع المشارب.
ولعل فترته اللافتة كانت في عهد الملك فهد بن عبدالعزيز التي أمضى فيها اثنين وعشرين عاما بجوار ملكه الذي طالما أحبه ولم تخل صورة للملك وقتها من وجود الشيخ النويصر في طرف الصورة، وهو السياسي الذي كان يكره الأضواء ولم يتحمس في حياته لإجراء مقابلة صحافية.
أما في مجالسه الخاصة فكان متحدثا بارعا لا يشق له غبار خصوصا في المسائل الفكرية التي كان بإمكانه مناقشة المثقفين الكبار فيها دون أن يتلعثم، وهي بنية فكرية مكنته من أن يكون داعما للحركة الإعلامية في بلاده دون أن يضيق عليها حتى لو غردت قليلا خارج السرب.
يقول عنه مقربون بخصوص هذه المسألة الأخيرة: «لقد كان يثق في وطنيتهم وكان من المستحيل عليه أن يغلق أبواب بلاده أمام الإعلاميين والمثقفين من بني جلدته لأي سبب شخصي. لقد كان منكرا للذات ومتفانيا في عمله».
ووفق شهادات مقربين منه في سياق وصفهم لشخصيته فإنه كان شخصا «لا يحقد وليس لديه مواقف شخصية من أحد»، وهذه صفات لا تتوافر إلا في شخص خبير يكون مؤهلا لقيادة منصب حساس مثل رئاسة الديوان الملكي، وهو الأمر الذي لايزال متوافرا حتى هذه اللحظة في كل من يشغل هذا الكرسي.
الملمح الأكثر وضوحا للشيخ محمد النويصر رئيس الديوان الملكي السابق هو علاقته الوطيدة بالفكر وآله ودعمه المتواصل للمنضوين تحت لواء الإعلام بشكل لافت.