توج الرئيس الاميركي باراك اوباما مقاربته الجديدة للعلاقة مع العالم الاسلامي بخطابه المنتظر من تحت قبة جامعة القاهرة العريقة امس.
واذ استهل اوباما خطابه للعالم الاسلامي بتحية الاسلام «السلام عليكم» التي نقلها من الشعب الاميركي وخاصة المسلمين منه، الى كل مسلمي العالم، قال انه جاء «القاهرة للبحث عن بداية جديدة مع العالم الاسلامي». مؤكدا أن أميركا لم ولن تعادي المسلمين.
ووسط ترقب في الشارع الاسلامي والعربي، توزع خطابه على سبعة محاور بدأها بالارهاب والقاعدة ثم ملف السلام بين اسرائيل والعرب ثم الملف النووي الايراني، وتحدث كذلك عن ملف الديموقراطية في العالم الاسلامي قبل ان يتحدث عن حرية الاديان ثم حرية المرأة، ليختم بالحديث عن التطور والفرص الاقتصادية.
وخلافا لما كان يتوقعه البعض، جاء موضوع النزاع العربي ـ الاسرائيلي في المحور الثاني من خطابه بعد ملف الارهاب والقاعدة وأمن الولايات المتحدة، وازاء ذلك حذر من أن «المتطرفين يستغلون التوترات بين المسلمين والغرب وإن الإسلام ليس طرفا في المشكلة وإنما طرف في تعزيز السلام»، وقال «لقد استغل المتطرفون الذين يتبعون منهج العنف هذه التوترات في مجموعة صغيرة وإن كانت مؤثرة من المسلمين».
ومن ثم فإن هجمات سبتمبر عام 2001 والجهود المتواصلة لهؤلاء المتشددين للانخراط في أعمال عنف ضد المدنيين أدت إلى أن يرى بعض الأميركيين الإسلام كدين عدواني ليس فقط لأميركا بل للدول الغربية ولحقوق الإنسان أيضا.
واستشهد الرئيس الأميركي باراك أوباما بمعنى الآية القرآنية التي تقول «ومن قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا». وقال «إن ايمان أكثر من مليار شخص أكبر بكثير من الكراهية الضيقة لقلة وان الاسلام ليس جزءا من المشكلة فيما يتعلق بمكافحة التطرف العنيف ولكنه جزء مهم في الترويج للسلام». وأضاف «اننا نعرف أيضا أن القوة العسكرية وحدها لن تحل المشكلات في افغانستان وباكستان، لهذا نعتزم استثمار 1.5 مليار دولار كل عام على مدار الخمسة أعوام المقبلة في اطار شراكة مع الباكستانيين لبناء مدارس ومستشفيات وطرق وأعمال، ومئات الملايين لمساعدة أولئك الذين تشردوا، ولهذا نوفر أيضا أكثر من 2.8 مليار دولار لمساعدة أفغانستان لتطوير اقتصادها وتوفير خدمات يعتمد عليها الشعب». وقال اوباما «تتحمل أميركا اليوم مسؤولية مزدوجة تتلخص في مساعدة العراق على بناء مستقبل أفضل وترك العراق للعراقيين، إنني أوضحت للشعب العراقي أننا لا نسعى لإقامة أي قواعد في العراق أو لمطالبة العراق بأي من أراضيه أو موارده، يتمتع العراق بسيادته الخاصة به بمفرده، لذا أصدرت الأوامر بسحب الوحدات القتالية مع حلول شهر أغسطس المقبل، ولذا سنحترم الاتفاق المبرم مع الحكومة العراقية المنتخبة بأسلوب ديموقراطي والذي يقتضي سحب القوات القتالية من المدن العراقية بحلول شهر يوليو وكذلك سحب جميع قواتنا بحلول عام 2012».
عملية السلام
المحور الثاني في خطاب اوباما كان عملية السلام التي اعتبرها المصدر الرئيسي الثاني للتوتر، ولم ينس أن يشدد على متانة الأواصر الرابطة بين أميركا وإسرائيل وانه لا يمكن قطع هذه الأواصر أبدا، وأسف لـ «تعرض اليهود على مر القرون للاضطهاد وتفاقمت أحوال معاداة السامية في وقوع المحرقة التي لم يسبق لها عبر التاريخ أي مثيل»، وقال انه سيزور المعسكر الذي كان جزءا مما اسماه «شبكة معسكرات الموت» التي استخدمت لاسترقاق وتعذيب وقتل اليهود.
وانتقد اوباما ضمنا الرئيس الايراني احمدي نجاد، قائلا «كما أن تهديد إسرائيل بتدميرها أو تكرار الصور النمطية الحقيرة عن اليهود هما أمران ظالمان للغاية ولا يخدمان إلا غرض استحضار تلك الأحدث الأكثر إيذاء إلى أذهان الإسرائيليين وكذلك منع حلول السلام الذي يستحقه سكان هذه المنطقة».
في المقابل اكد انه «لا يمكن نفي أن الشعب الفلسطيني مسلمين ومسيحيين قد عانوا أيضا في سعيهم إلى إقامة وطن خاص لهم»، واعرب عن اسفه عن «آلام النزوح على مدى أكثر من 60 سنة حيث ينتظر العديد منهم في الضفة الغربية وغزة والبلدان المجاورة لكي يعيش والحياة يسودها السلام والأمن، هذه الحياة التي لم يستطيعوا عيشها حتى الآن، يتحمل الفلسطينيون الاهانات اليومية صغيرة كانت أو كبيرة والتي هي ناتجة عن الاحتلال، وليس هناك أي شك من أن وضع الفلسطينيين لا يطاق ولن تدير أميركا ظهرها عن التطلعات المشروعة للفلسطينيين ألا وهي تطلعات الكرامة ووجود الفرص ودولة خاصة بهم».
وكرر اوباما موقفه لحل هذا الصراع لأن السبيل الوحيد للتوصل إلى تحقيق طموحات الطرفين يكون من خلال دولتين يستطيع فيهما الإسرائيليون والفلسطينيون أن يعيشوا في سلام وأمن»، معتبرا أن «هذا السبيل يخدم مصلحة إسرائيل ومصلحة فلسطين ومصلحة أميركا ولذلك سأسعى شخصيا للوصول إلى هذه النتيجة متحليا بالقدر اللازم من الصبر الذي تقتضيه هذه المهمة».
الا انه دعا الفلسطينيين إلى أن يتخلوا عن العنف قائلا: «إن المقاومة عن طريق العنف والقتل أسلوب خاطئ ولا يؤدي إلى النجاح». وأكد أن طريق العنف طريق مسدود وأن إطلاق الصواريخ على الأطفال الإسرائيليين في مضاجعهم أو تفجير حافلة على متنها سيدات مسنات لا يعبر عن الشجاعة أو عن القوة ولا يمكن اكتساب سلطة التأثير المعنوي عن طريق مثل هذه الأعمال إذ يؤدي هذا الأسلوب إلى التنازل عن هذه السلطة». واذ اعترف بان حماس تحظى بالدعم من قبل بعض الفلسطينيين دعاها الى أن تضع حدا للعنف وأن تعترف بالاتفاقات السابقة وأن تعترف بحق إسرائيل في البقاء. وطالب «الإسرائيليين بالإقرار بأن حق فلسطين في البقاء هو حق لا يمكن إنكاره مثلما لا يمكن إنكار حق إسرائيل في البقاء، كما يجب على إسرائيل أن تفي بالتزاماتها لتأمين تمكين الفلسطينيين من أن يعيشوا ويعملوا ويطوروا مجتمعهم». وبخصوص مبادرة السلام قال: يجب على الدول العربية أن تعترف بأن مبادرة السلام العربية كانت بداية مهمة وأن مسؤولياتها لا تنتهي بهذه المبادرة كما ينبغي عليها ألا تستخدم الصراع بين العرب وإسرائيل لإلهاء الشعوب العربية عن مشاكلها الأخرى بل يجب أن تكون هذه المبادرة سببا لحثهم على العمل لمساعدة الشعب الفلسطيني على تطوير مؤسساته التي ستعمل على مساندة الدولة الفلسطينية ومساعدة الشعب الفلسطيني على الاعتراف بشرعية إسرائيل واختيار سبيل التقدم بدلا من السبيل الانهزامي الذي يركز الاهتمام على الماضي.
الملف النووي
الملف الثالث للتوتر يتعلق بحسب اوباما «باهتمامنا المشترك بحقوق الدول ومسؤولياتها بشأن الأسلحة النووية».
وقال «لقد أعلنت بوضوح لقادة إيران وشعب إيران أن بلدي بدلا من أن يتقيد بالماضي يقف مستعدا للمضي قدما، والسؤال المطروح الآن لا يتعلق بالأمور التي تناهضها إيران ولكنه يرتبط بالمستقبل الذي تريد إيران أن تبنيه».
واعتبر أن «التغلب على فقدان الثقة الذي استمر لعشرات السنوات سيكون صعبا ولكننا سنمضي قدما مسلحين بالشجاعة واستقامة النوايا والعزم، سيكون هناك الكثير من القضايا التي سيناقشها البلدان ونحن مستعدون للمضي قدما دون شروط مسبقة على أساس الاحترام المتبادل».
وقال «أننا قد وصلنا إلى نقطة تتطلب الحسم وهي ببساطة لا ترتبط بمصالح أميركا ولكنها ترتبط بمنع سباق للتسلح النووي قد يدفع بالمنطقة إلى طريق محفوف بالمخاطر ويدمر النظام العالمي لمنع انتشار الأسلحة النووية».
الديموقراطية
الديموقراطية لم تغب عن خطاب اوباما فكانت محوره الرابع وقال ازاءه «إن نظام الحكم الذي يسمع صوت الشعب ويحترم حكم القانون وحقوق جميع البشر هو النظام الذي أؤمن به وأعلم أن جدلا حول تعزيز الديموقراطية وحقوق جميع البشر كان يدور خلال السنوات الأخيرة وأن جزءا كبيرا من هذا الجدل كان متصلا بالحرب في العراق».
واضاف «لا يمكن لأي دولة ولا ينبغي على أي دولة أن تفرض نظاما للحكم على أي دولة أخرى»، وشدد على ان ذلك «لن يقلل من التزامي تجاه الحكومات التي تعبر عن إرادة الشعب حيث يتم التعبير عن هذا المبدأ في كل دولة وفقا لتقاليد شعبها، إن أميركا لا تفترض أنه تعلم ما هو أفضل شيء بالنسبة للجميع كما أننا لا نفترض أن تكون نتائج الانتخابات السلمية هي النتائج التي نختارها ومع ذلك يلازمني اعتقاد راسخ بأن جميع البشر يتطلعون لامتلاك قدرة التعبير عن أفكارهم وآرائهم في أسلوب الحكم المتبع في بلدهم ويتطلعون للشعور بالثقة في حكم القانون وفي الالتزام بالعدالة والمساواة في تطبيقه، ويتطلعون كذلك لشفافية الحكومة وامتناعها عن نهب أموال الشعب ويتطلعون لحرية اختيار طريقهم في الحياة، إن هذه الأفكار ليست أفكارا أميركية فحسب بل هي حقوق إنسانية وهي لذلك الحقوق التي سندعمها في كل مكان»،
الحرية الدينية
أما الموضوع الخامس الذي وقف عنده اوباما فهو موضوع الحرية الدينية، وشدد على «إن التسامح تقليد عريق يفخر به الإسلام، لقد شاهدت بنفسي هذا التسامح عندما كنت طفلا في اندونيسيا إذ كان المسيحيون في ذلك البلد الذي يشكل فيه المسلمون الغالبية يمارسون طقوسهم الدينية بحرية، إن روح التسامح التي شاهدتها هناك هي ما نحتاجه اليوم».
ودعا الى «أن تتمتع الشعوب في جميع البلدان بحرية اختيار العقيدة وأسلوب الحياة القائم على ما تمليه عليهم عقولهم وقلوبهم وأرواحهم بغض النظر عن العقيدة التي يختارونها لأنفسهم لأن روح التسامح هذه ضرورية لازدهار الدين ومع ذلك تواجه روح التسامح هذه تحديات مختلفة».
ولفت الى «إن التعددية الدينية هي ثروة يجب الحفاظ عليها ويجب أن يشمل ذلك الموارنة في لبنان أو الأقباط في مصر ويجب إصلاح خطوط الانفصال في أوساط المسلمين كذلك لأن الانقسام بين السنة والشيعة قد أدى إلى عنف مأساوي ولاسيما في العراق».
واعتبر انه ينبغي أن يكون الإيمان عاملا للتقارب فيما بيننا ولذلك نعمل الآن على تأسيس مشاريع جديدة تطوعية في أميركا من شأنها التقريب فيما بين المسيحيين والمسلمين واليهود، وعلاوة على ذلك كان موضوع حقوق المرأة محور خطاب اوباما السادس حيث قال «أعلم أن الجدل يدور حول هذا الموضوع وأرفض الرأي الذي يعبر عنه البعض في الغرب، ويعتبر المرأة التي تختار الحجاب أقل شأنا من غيرها ولكنني أعتقد أن المرأة التي تحرم من التعليم تحرم كذلك من المساواة، إن البلدان التي تحصل فيها المرأة على تعليم جيد هي غالبا بلدان تتمتع بقدر أكبر من الرفاهية وهذا ليس من باب الصدفة».
وتابع «إن قضايا مساواة المرأة ليست ببساطة قضايا للإسلام وحده لقد شاهدنا بلدانا غالبية سكانها من المسلمين مثل تركيا وباكستان وبنغلادش وإندونيسيا تنتخب المرأة لتولي قيادة البلد، وفي نفس الوقت يستمر الكفاح من أجل تحقيق المساواة للمرأة في بعض جوانب الحياة الأميركية وفي بلدان العالم»، ولذلك تعهد بأن تعمل الولايات المتحدة مع أي بلد غالبية سكانه من المسلمين من خلال شراكة لدعم توسيع برامج محو الأمية للفتيات ومساعدتهن على السعي في سبيل العمل عن طريق توفير التمويل الأصغر الذي يساعد الناس على تحقيق أحلامهم.
التنمية الاقتصادية
وأخيرا تحدث اوباما عن التنمية الاقتصادية وتنمية الفرص، وقال أعلم أن الكثيرين يشاهدون تناقضات في مظاهر العولمة لأن شبكة الإنترنت وقنوات التلفزيون لديها قدرات لنقل المعرفة والمعلومات ولديها كذلك قدرات لبث مشاهد جنسية منفرة وفظة وعنف غير عقلاني وباستطاعة التجارة أن تأتي بثروات وفرص جديدة ولكنها في ذات الوقت تحدث في المجتمعات اختلالات وتغييرات كبيرة وتأتي مشاعر الخوف في جميع البلدان حتى في بلدي مع هذه التغييرات وهذا الخوف هو خوف من أن تؤدي الحداثة إلى فقدان السيطرة على خياراتنا الاقتصادية وسياساتنا والأهم من ذلك على هوياتنا وهي الأشياء التي نعتز بها في مجتمعاتنا وفي أسرنا وفي تقاليدنا وفي عقيدتنا. وينطبق ذلك على التقدم الباهر الذي شاهده العالم الإسلامي من كوالالمبور إلى دبي لقد أثبتت المجتمعات الإسلامية منذ قديم الزمان وفي عصرنا الحالي أنها تستطيع أن تتبوأ مركز الطليعة في الابتكار والتعليم.
فيما يتعلق بالتعليم تعهد اوباما بالتوسع في برامج التبادل «ونرفع من عدد المنح الدراسية مثل تلك التي أتت بوالدي إلى أميركا وسنقوم في نفس الوقت بتشجيع عدد أكبر من الأميركيين على الدراسة في المجتمعات الإسلامية وسنوفر للطلاب المسلمين الواعدين فرصا للتدريب في أميركا وسنستثمر في سبل التعليم الافتراضي للمعلمين والتلاميذ في جميع أنحاء العالم عبر الفضاء الإلكتروني وسنستحدث شبكة إلكترونية جديدة لتمكين المراهقين والمراهقات في ولاية كنساس من الاتصال المباشر مع نظرائهم في القاهرة».
ووعد بتأسيس «صندوق مالي جديد لدعم التنمية والتطور التكنولوجي في البلدان التي يشكل فيها المسلمون غالبية السكان وللمساهمة في نقل الأفكار إلى السوق حتى تستطيع هذه البلدان استحداث فرص للعمل وسنفتتح مراكز للتفوق العلمي في أفريقيا والشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا».
وأعلن اوباما «عن جهود عالمية جديدة مع منظمة المؤتمر الإسلامي للقضاء على مرض شلل الأطفال وسنسعى من أجل توسيع الشراكة مع المجتمعات الإسلامية لتعزيز صحة الأطفال والأمهات»،
ولفت الرئيس الاميركي الى «أن هناك الكثيرين من المسلمين وغير المسلمين الذين تراودهم الشكوك حول قدرتنا على استهلال هذه البداية وهناك البعض الذين يسعون إلى تأجيج نيران الفرقة والانقسام والوقوف في وجه تحقيق التقدم ويقترح البعض أن الجهود المبذولة في هذا الصدد غير مجدية ويقولون ان الاختلاف فيما بيننا أمر محتم». وختم اوباما مستشهدا بآيات من الكتب السماوية الثلاث قائلا: إننا نملك القدرة على تشكيل العالم الذي نسعى من أجله ولكن يتطلب ذلك منا أن نتحلى بالشجاعة اللازمة لاستحداث هذه البداية الجديدة، آخذين بعين الاعتبار ما كتب في القرآن الكريم: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا). ونقرأ في التلمود ما يلي: «إن الغرض من النص الكامل للتوراة هو تعزيز السلام»، ويقول لنا الكتاب المقدس: «هنيئا لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون».
باستطاعة شعوب العالم أن تعيش معا في سلام، إننا نعلم أن هذه رؤية الرب وعلينا الآن أن نعمل على الأرض لتحقيق هذه الرؤية، شكرا لكم والسلام عليكم.