فوز الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد لولاية ثانية في ايران أسقط كل رهان على تغيير داخلي في ايران، خاصة وان السلطة تمكنت من ضبط الشارع اخيرا، فيما يعتبر رسالة موجهة الى المجتمع الدولي، لاسيما الولايات المتحدة الاميركية، على توجهات ايران المقبلة.
في الواقع ان فوز نجاد وجه ضربة لمخطط الحوار الاميركي معها، على رغم اعلان مسؤولين اميركيين ان السياسات الاميركية حيال ايران لن تتأثر بشكل فوري بإعادة انتخاب نجاد لولاية ثانية، فواشنطن تريد ان ترى تغييرا في السلوك الايراني بغض النظر عن نوع الحكومة أو الرئيس، والادارة الاميركية معنية أكثر بالسياسات التي تتخذها طهران، وقد التزمت الادارة الاميركية الحذر حتى الآن في الحديث عن التطورات الأخيرة في ايران على خلفية الانتخابات الرئاسية، في وقت تبدي رغبة في مواصلة جهود الحوار مع طهران بغض النظر عن نتائج الانتخابات، ذلك ان مصالح الولايات المتحدة مرتبطة بمنع ايران من الحصول على أسلحة نووية ومنعها من تأييد المتطرفين في المنطقة، وهذا لن يتغير رغم نتيجة الانتخابات.
موقف أوباما الغامض الذي يقول ان «على الايرانيين ان يقرروا من يقود ايران، نحن نحترم السيادة الايرانية ونريد ان نتجنب جعل الولايات المتحدة هي القضية داخل ايران»، من لقي انتقادات داخل الولايات المتحدة التي قيل فيها: «كيف يمكن لرئيس يتحدث عن مثاليات الديموقراطية ان يبقى صامتا خلال ثورة شعبية حول انتخابات تثير شكوك عالية في دولة شرق أوسطية رئيسية، والانتخابات يجب ان تدفع الرئيس أوباما لإعادة التفكير في عمله من أجل اتفاق كبير مع ايران حول الملف النووي».
الاعتقاد الذي كان سائدا ان لا تغيير في موقف اميركا من الحوار مع طهران، والخطط الاميركية حيال الجلوس مع الايرانيين في شكل مباشر وفتح حوار لن تتغير بعد الانتخابات، الا انه تردد ان واشنطن سحبت دعوات الى ديبلوماسيين ايرانيين لحضور احتفالات العيد الوطني الاميركي في 4 يوليو.
بالنسبة لإيران، تتفاوت التوقعات إزاء السياسة الخارجية الإيرانية في مرحلة ما بعد الانتخابات، فهناك بعض الخلافات حول احتمال استمرارها في نفس التوجهات استنادا الى الآتي:
- أن يكون الرئيس نجاد قد أعد العدة لعقد صفقة أميركية ـ إيرانية حول العراق وأفغانستان وباكستان وآسيا الوسطى، وربما الخليج العربي والشرق الأوسط وهي احتمالات ضعيفة لأن واشنطن لن تقبل بأن تقدم لإيران هذا الكم الضخم من التنازلات مقابل تنازل طهران عن برنامجها النووي.
- أن يستمر الرئيس نجاد في موقعه المتشدد هي الأكثر إمكانية للتحقق ولكن هناك بعض التوقعات التي تفيد لجهة احتمالات أن يسعى نجاد إلى عقد صفقة تتيح الآتي: أن يقبل محور «تل أبيب ـ واشنطن» بالتعايش مع البرنامج النووي الإيراني على غرار اعتبارات الأمر الواقع ـ أن تتعاون طهران مع واشنطن في الملف العراقي والملف الأفغاني والملف الشرق أوسطي.
ولكن ماذا عن ادارة أوباما: هل ستمضي قدما في خططها للحوار مع ايران من أجل اقناعها بوقف التخصيب، وستتعامل مع أي حكومة ايرانية؟ ما مستقبل العلاقات الاميركية الايرانية بعد فوز أحمدي نجاد لولاية ثانية؟
المعروف ان الرئيس الاميركي باراك أوباما اتخذ قرار التحاور مع القيادة الايرانية، ولكن قائمة المطالب الاميركية لم تتبدل، ولديها ثلاث أولويات في تعاطيها مع القيادة الايرانية هي: وقف البرنامج النووي الايراني التسلحي ـ دفع ايران الى وقف تدخلاتها السلبية وغير الشرعية والخطرة في شؤون لبنان وفلسطين والعراق وبعض الدول الخليجية العربية الأخرى بما يتعارض ومصالح شعوبها ـ دفع ايران الى وقف دعمها للقوى المتشددة وأبرزها حزب الله وحماس، والى وقف تعاونها السري مع تنظيمات ارهابية كتنظيم «القاعدة». والموقف الأساسي الذي تتمسك بها ادارة أوباما هو انه يمكن التشاور مع المسؤولين الايرانيين حول الأوضاع في أفغانستان والعراق، ولكن لن يتم التوصل الى أي اتفاق رسمي بين اميركا وايران ولن يحدث التقارب بين البلدين ما لم تتم تسوية المشكلة النووية الايرانية.
ذلك ان الخلاف بين اميركا وايران حول الملف النووي عميق وليس من السهل التوصل الى «حل وسط» في شأنه، وحيث ترى اميركا ان امتلاك ايران السلاح النووي يشكل أكبر تهديد لمصالحها ولمصالح حلفائها ولموازين القوى في الشرق الأوسط، وللأمن والسلم الاقليميين والدوليين، بينما ترى القيادة الايرانية ان برنامجها النووي عامل مهم من عوامل دورها الاقليمي ومصالحها الحيوية والاستراتيجية التي تصفها بأنها «شرعية».
كما ترى ايران ان رضوخها للمطالب الاميركية والدولية وتخليها بالتالي عن برنامجها النووي يشكل هزيمة سياسية واستراتيجية لها تؤدي الى تقليص حجم دورها في المنطقة والى وضع حد لطموحاتها الاقليمية، وهذا خيار مرفوض حتى الآن من القيادة الايرانية.
يرى الاميركيون انه لتحقيق تحول ايجابي في مسار العلاقات الاميركية - الايرانية يقتضي من ايران: ان تقتنع بأن السلاح النووي لن يجلب لها العظمة والانتصار الكبير، بل سيجعلها في مواجهة قاسية مع الكثير من دول العالم، وان توقف تدخلاتها السلبية والخطرة في شؤون عدد من الدول العربية، وان تمتنع عن محاربة الأنظمة العربية الرافضة تدخلاتها، وان تضع حدا للدعم العسكري المالي الذي تقدمه الى تنظيمات وقوى متشددة متحالفة معها من أجل زعزعة الأوضاع والأمن والاستقرار في عدد من الساحات الاقليمية ومنها لبنان وفلسطين، وان تقبل قرارات المجموعة العربية والشرعية العربية وتحترمها في ما يتعلق بسبل تسوية النزاع العربي الاسرائيلي وسائر المشكلات العربية، ما يمهد لقيام تنسيق وتعاون بين ايران والدول العربية والدول الكبرى لمعالجة قضايا الشرق الأوسط في اطار من الاحترام المتبادل لمصالح مختلف الأطراف. اضافة الى ان تتفهم القيادة الايرانية ان القضايا الثنائية العالقة بينها وبين اميركا، كالعقوبات المفروضة عليها والأموال والأرصدة الايرانية المجمدة، لن تحل خارج اطار صفقة سلمية اميركية - ايرانية، وان الاصرار الايراني على تسويتها قبل التوصل الى أي تفاهم مع ادارة أوباما حول الملف النووي سيؤدي الى فشل محاولات التقارب بين البلدين.
ويرى الاميركيون أيضا ان انفتاح ادارة أوباما على النظام الايراني يضع هذا النظام أمام الخيارات الحاسمة. فلن يحدث أي تحول ايجابي كبير في العلاقات الاميركية - الايرانية ما لم يحدث أولا انقلاب في سياسات النظام الايراني يجعل هذا النظام يتخلى عن فرض مطالبه وشروطه وتصوراته النووية والثورية على الدول الأخرى، ويوافق على التعايش والتفاهم السلميين مع المجتمع الدولي ومع المجموعة العربية، ويقبل ان يدفع ثمن الاندماج في المجتمع الدولي بما يحقق له مكاسب وفوائد عدة ويؤدي في الوقت نفسه الى تعزيز الأمن والاستقرار وفرص السلام في الشرق الأوسط. ادارة أوباما تعتمد الحذر في تعاملها مع ايران، اذ ليست لديها ضمانات بأن الحوار المفتوح مع القيادة الايرانية سينطلق فعلا وجديا وعلى أسس سليمة، وانه سينجح ويؤدي الى نتائج ايجابية ملموسة يكرسها التفاهم على القضايا الأساسية العالقة، وعلى رأسها قضية البرنامج النووي الايراني. واذا رفضت ايران مبادرة أوباما فهذا يعني ان القيادة الايرانية هي التي تريد مواصلة سياسة المواجهة مع الولايات المتحدة ومع دول أخرى عدة، واذا ما حدث ذلك فعلا فإن على القيادة الايرانية ان تتحمل حينذاك العواقب الخطرة والنتائج المدمرة لموقفها السلبي هذا.
لقد جسد أحمدي نجاد، في نظر الاميركيين، بأقواله وأفعاله مدى الخطورة الحقيقية للمشروع النووي والنشاطات الارهابية التي تحركها إيران. وانتخابه يعزز هذه المخاوف في الغرب والشرق الأوسط لأنه يثبت أن نجاد ليس مجرد متعصب خرج عن السيطرة، بل هو ممثل وفي لتطلعات المرشد الأعلى، علي خامنئي.
كما أنه يمثل بشكل وفي قادة حراس الثورة الذين يحافظون على النظام والمسؤولين عن التنفيذ العملي لسياسته. ونتائج الانتخابات تثير الاهتمام والقلق لأنها تكشف مدى متانة وقوة النظام في إيران، إلى درجة أن هذا النظام في شكل عام وسياسته النووية بشكل خاص، يحظى بتأييد شعبي، كما تكشف عن مدى تصميم خامنئي على التمسك بقيم الثورة الاسلامية الخمينية، وانه الوحيد صاحب القرار في مسألة التقارب مع الولايات المتحدة المحورية وماسك الملفات الكبرى في ايران.
من الواضح تماما أن قواعد وأسس القوة الحيوية من أجل الحفاظ على النظام الحالي في إيران، قوية وموالية لآيات الله من دون أي تحفظ، وانطلاقا من قناعة داخلية. لذلك ينبغي الاعتراف بأنه لا يوجد تقريبا اي احتمال لأن تقوم إيران، التي باتت أصلا قوة على حافة القدرة النووية، بتغيير سياستها النووية. ينبغي الاعتراف أيضا بأن تغيير النظام في إيران بواسطة العقوبات، وحتى بواسطة عملية عسكرية محدودة سيكون أصعب بكثير، لا بل شبه مستحيل.