اتخذ العراق امس خطوة كبرى على طريق اعادة تأكيد سيادته بعد ان تسلمت قواته غير المجربة بدرجة كافية من القوات القتالية الأميركية المسؤولية الامنية في مناطق الحضر.
ويقول المسؤولون الأميركيون والعراقيون، في معرض اجابتهم عن احتمال تصاعد اعمال العنف بعد الانسحاب، انه من المرجح ان يزيد المسلحون من هجماتهم.
وقد تسعى بعض الجماعات المتشددة الى اعطاء الانطباع بأن الفضل يرجع لها في طرد قوات الاحتلال.
ولا تعطي تلك الجماعات اي اعتبار لحقيقة ان الانسحاب الجزئي يجيء بموجب اتفاق امني أبرم العام الماضي بين الولايات المتحدة والعراق.
وقد يعتقد بعض المتمردين أيضا ان العراق وسكانه سيصبحون أكثر هشاشة فور انسحاب القوات الأميركية الى قواعدها، وان امامهم فرصة أفضل لاشعال العنف الطائفي على نطاق واسع من خلال القيام بتفجيرات ضخمة.
لكن رغم ذلك هناك بعض المؤشرات بأن المقاتلين والجماعات المتشددة فقدوا القدرة على الاحتفاظ بالزخم.
وعلى الرغم من ان الشهر المنصرم شهد تفجيرين من أسوأ التفجيرات وأكثرها دموية خلال ما يزيد على عام، الا ان العدد الاجمالي للهجمات تراجع كما تمر اسابيع هادئة نسبيا بعد وقوع هجمات كبرى.
وتلوح في الافق مخاطر سياسية اذا ما فشلت قوات الامن العراقية في حماية الشعب العراقي من الهجمات المتصاعدة، فمن المحتمل ان يتضرر نوري المالكي رئيس وزراء العراق من ذلك سياسيا.
وهو يعلق آماله على فترة رئاسة أخرى للحكومة بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة المقرر اجراؤها في يناير المقبل استنادا الى قدرته على نسب الفضل لنفسه في تراجع العنف بدرجة كبيرة طوال 18 شهرا مضت.
وفيما وصف المالكي انسحاب القوات القتالية الأميركية بأنه «نصر» يرى محللون انه وضع نفسه في مأزق بتمجيد هذه المناسبة لأنه في حالة تصاعد العنف واضطراره الى طلب العون من الجيش الأميركي فسيضره ذلك سياسيا.
وبذلك يكون السؤال الاساسي هو: هل باستطاعة قوات الامن العراقية حماية الشعب؟
لقد تطلب الامر اعادة بناء الجيش العراقي والشرطة الوطنية من الصفر بعد ان حل المسؤولون الأميركيون الذين أداروا العراق جهاز أمن رئيس النظام العراقي السابق المقبور صدام حسين بعد الغزو الأميركي عام 2003.
وخلفت هذه الخطوة آلاف المقاتلين بلا عمل وأغضبتهم ودفعت كثيرين الى الانضمام الى صفوف المسلحين.
ومنذ ذلك الحين انفق الجيش الأميركي والحكومة العراقية مليارات الدولارات على اعادة بناء وتدريب وتسليح قوة امنية عراقية قوامها 600 ألف فرد.
ويبدو الآن الجنود العراقيون عند نقاط التفتيش صورة شبيهة بالأميركيين الذين دربوهم، ويقول قادة أميركيون ان الشرطة تحتاج الى مزيد من العمل لكنها تحسنت كثيرا عن عامين مضيا. لكن هل سيرضخ أفراد القوات العراقية نظرا لهشاشتهم أمام تهديد أسرهم او امام الرشوة.
فالفساد تفشى في العراق البلد المنتج للنفط وأدى ذلك الى شكوك كثيرة بين عامة الناس في نزاهة قوات الامن المحلية. وكان العراق دولة بوليسية قوية تحت حكم صدام، وكانت السلطات تتعامل بقسوة مع الجريمة والعنف باستثناء ما ترتكبه الدولة نفسها.
ازاء ذلك، يخشى السنة والاكراد على حد سواء ان تنقلب عليهم الحكومة العراقية ذات الاغلبية الشيعية بعد انسحاب القوات الاميركية من المدن.