فريقا 8 و14 آذار ليسا موحدين بما فيه الكفاية ازاء موضوع الحكومة الجديدة. عند الفريق الأول، بكر النائب سليمان فرنجية في رفع راية «الثلث المعطل»، فيما تحرك العماد عون ضمن هامش «النسبية». أما الطرف الشيعي (أمل وحزب الله)، فإنه امتنع، رسميا وعلنيا على الأقل، عن الخوض في لغة الأرقام والصيغ، واكتفى «بحكومة وحدة وشراكة حقيقية». وعند الفريق الثاني، القيادات المسيحية غير راضية عن الطريقة التي تدار بها الأمور بعد 8 يونيو والتي تهدد بإفراغ الانتصار الانتخابي من مضمونه وتظهر هذه القيادات تشددا قياسا الى ما يظهره الحريري من مرونة، في وقت يوغل جنبلاط أكثر في سياسة التمايز وعدم الانسجام مع حلفائه وفي سلوك خط يوصله الى دمشق عاجلا أم اجلا.
ثمة حالة ارتباك واهتزاز داخل الفريقين ناتجة عن التبدل في المعطيات الاقليمية، لاسيما ما يتعلق بالحوار السوري ـ السعودي غير المكتمل حتى الآن، وعن عملية «خلط أوراق» يقودها الثنائي بري جنبلاط كل من جهته وعلى طريقته ويعول عليها لكسر المأزق الحكومي الراهن والخروج منه.
في الواقع، بدأ بري وجنبلاط عملية سياسة منسقة لخلط الأوراق منذ ما قبل الانتخابات.
كان الاثنان توصلا لأسباب مختلفة الى قناعة مؤداها ان استمرار الوضع على ما هو عليه من اصطفاف وفرز بين معسكرين يعني استمرارا للأزمة التي تلحق أضرارا مباشرة بالشيعة والدروز، ولوضع غير طبيعي داخل الحكم وعلى مستوى اللعبة السياسية، وان الخروج من هذا الوضع يبدأ من خلط أوراق التحالفات والمواقف وكسر «التوازن السلبي» الذي يحكم معادلة الحكم.
وهذا ما ظهر في محطتين: جلسة انتخاب رئيس المجلس وهيئة مكتبه عندما انتخب بري بأصوات المعارضة وكتلة جنبلاط وقسم كبير من كتلة المستقبل، وانتخب مروان حمادة بأصوات كتلة بري مضافة الى الأكثرية وأعلن فوز النائب ميشال موسى بالتزكية بتدخل من جنبلاط.
وهذا التبادل لم يشمل نائب الرئيس فريد مكاري الذي فاز بأصوات الأكثرية والنائب آلان عون الذي نال أصوات المعارضة فقط.
أما المحطة الثانية فتمثلت في استشارات التكليف عندما انفرد الرئيس بري بتسمية الحريري، ولو جاءت التسمية ملتبسة في بدايتها ومشروطة بحكومة المشاركة الحقيقية، كما نجح بري في «اجتذاب» كتلة الطاشناق (نائبان) التي سمت الحريري متمايزة عن تكتل الاصلاح والتغيير الذي تنتمي اليه.
وكان واضحاً ان تسمية الطاشناق للحريري هو الشرط والثمن لدخول الحكومة، وان هذا الموقف هو أولى علامات التمايز وأولى نتائج اعادة الحسابات التي أجراها الطاشناق بعد الانتخابات في سياق الحد من الخسائر.
والآن تستند جهات في 14 آذار الى هذه الاستشارات الملزمة للدعوة الى قيام حكومة متماهية مع هذه الاستشارات، بمعنى ان يتم فيها تمثيل الكتل التي سمت الحريري بما في ذلك كتلتا بري والطاشناق ما يحقق اختراقا لصف المعارضة التي يصعب التعاطي معها كفريق واحد.
وفي هذا السياق تدعو هذه الجهات الى التركيز على اقصاء العماد عون على طريقة العام 2005 «الاحراج للاخراج» كما جرى في حكومة ما بعد انتخابات العام 2005.
ورغم الاختلاف الواضح في الظروف والتحالفات، يمكن تجاهل عون وتأمين الغطاء المسيحي للحكومة من خلال وزراء الرئيس ومسيحيي ١٤ آذار والطاشناق، وتأمين الغطاء الشيعي من خلال مشاركة أمل وشخصيات مقبولة من حزب الله اذا كان يريد البقاء خارج الحكومة تضامنا مع حليفه عون.
واذا كان الاهتمام جاريا لفك ألغاز خطة بري لخلط الأوراق وتذويب الفريقين، وترصد حركة جنبلاط «التصاعدية» وفي اتجاه دمشق، فإن هناك من يهتم بحركة عون ومواقفه المتمايزة بعد الانتخابات بدءا من «النسبية» التي لا يستسيغها بري ولا يعلق عليها حزب الله، وموقفه في استشارات التكليف التي جاءت بها عدم تسميته للحريري مقرونة بـ «عدم تحفظه على أحد»، وفي استشارات التأليف التي اتسم فيها حديثه مع الحريري بالايجابية، وأكثر منه ما قاله الوزير جبران باسيل موفدا من عون للحريري في لقائهما المنفرد والمطول، وما أعلنه باسيل بعد ذلك من انه يحق للأكثرية النيابية ان تمتلك الأكثرية داخل مجلس الوزراء ولو جاء هذا الطرح من خلفية انه لا مشكلة مع الأكثرية اذا كانت حصتها على حساب حصة الرئيس، واذا كانت حصتهما معا ليستا على حساب المعارضة وتحديدا المعارضة المسيحية.