تحولت الأنظار مرة واحدة من الداخل حيث تراوح عملية تشكيل الحكومة مكانها، الى الجنوب اللبناني حيث حصلت تطورات ميدانية كسرت الهدوء القائم على «ستاتيكو القرار 1701»، واذا كانت العواصم الأوروبية غير مهتمة بالتطورات السياسية الداخلية لأن الحكومة شأن لبناني محض ولأن الوضع اللبناني وضعته الانتخابات الأخيرة الناجحة على السكة الصحيحة أو هكذا يفترض، فإنها تبدو شديدة الاهتمام بما يجري على أرض الجنوب وما ظهر من «مؤشرات مقلقة» لأن الجنوب شأن اقليمي دولي وله صلة باستقرار المنطقة، ولأن الأوروبيين متواجدون على أرضه وهم يشكلون النواة الصلبة في القوات الدولية «اليونيفيل».
التطورات المفاجئة في الجنوب كانت بدأت بانفجار غامض في أحد منازل «خربة سلم» جنوب الليطاني قيل انه يحتوي ذخائر وصواريخ، ثم حصل «تحرك أهلي» في خراج بلدة كفرشوبا احتجاجا على خرق اسرائيلي برفع ساتر ترابي في النطاق اللبناني، وبعد ذلك وقعت أول «مواجهة مدنية» فعلية بين القوات الدولية والأهالي في خربة سلم عندما اصطدمت مجموعة من هذه القوات يقودها ضابط فرنسي بسكان المحلة الذين اعترضوا على مداهمة منزل من دون وجود الجيش اللبناني، وأسفرت المواجهة عن وقوع 14 جريحا «طفيفا» في صفوف القوات الدولية التي حوصرت لفترة وأصيبت آلياتها بأضرار، وفي هذا الوقت كان امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله يعيد الاعتبار الى ملف الأسرى «الأسير يحيى سكاف ورفات شهداء» الذي كان أقفل عمليا في «عملية الرضوان» التي سجلت سابقتين: لأول مرة حصلت عملية تبادل بين أموات اسرائيليين «رفات جنود» وأحياء لبنانيين «أسرى حرب»، ولأول مرة تطلق اسرائيل سراح من تصفهم بأنهم أصحاب أياد ملطخة بدماء اسرائيليين.
هذه التطورات تفاعلت لبنانيا واسرائيليا و«دوليا» على ثلاثة مستويات:
- 1 - نشوب أول «سجال وتجاذب» حول القرار 1701 الذي تعرض لخروقات جدية على وقع اتهامات متبادلة بين الجانبين: الجانب اللبناني «الرسمي والمقاوم» يتحدث عن خروقات متمادية برا «كان آخرها في كفرشوبا وتدرج في نطاقها شبكات التجسس الاسرائيلية المكتشفة أخيرا» وبحرا «التضييق على الصيادين ومراقبة الشواطئ» وجوا «الطلعات الجوية»، والجانب الاسرائيلي يتحدث عن خرق خطير وفاضح تمثل في انفجار مخزن للسلاح في منطقة جنوب الليطاني، ما أظهر ان حزب الله مازال ماضيا في عملية تخزين السلاح في منطقة القوات الدولية، وان هذه القوات لا تطبق كما يجب القرار 1701، ومجمل هذا الوضع يعني ان القرار 1701 يتعرض لـ «تآكل تدريجي»، وانه مع الوقت لا يعود أساسا كافيا لحفظ الهدوء والاستقرار على الحدود اللبنانية الاسرائيلية.
- 2 - بروز أول محاولة جدية لتغيير قواعد الاشتباك في المنطقة الحدودية بتغيير الطريقة والآلية التطبيقية للقرار 1701، وهذا ما تسعى اليه اسرائيل في ظل تشجيع اميركي وتفهم أوروبي، انطلاقا من استثمار الأحداث الأخيرة وصولا الى التأثير على عملية التجديد للقوات الدولية الشهر المقبل، بحيث لا يكون «تجديدا روتينيا أو أوتوماتيكيا» وانما مشروط بتغييرات في طبيعة مهمة القوات الدولية وصلاحياتها، وقد باشرت اسرائيل بالفعل حملة ديبلوماسية لتأليب المجتمع الدولي ضد حزب الله، وللضغط في اتجاه دور «فاعل ورادع» لقوات «اليونيفيل» بما يتيح لها ضبط ومنع الخروقات في مناطق انتشارها، كما الضغط على الحكومة اللبنانية كي تدفع في اتجاه تعاون أفضل بين القوات الدولية والجيش اللبناني يكون متقدما على تعاون الجيش مع حزب الله.
- 3 - تعزز هاجس «أمن القوات الدولية» الذي كان برز لفترات محدودة وعابرة إثر تعرض هذه القوات لعمليات ارهابية، ويأخذ منحى آخر اليوم في ضوء «الانحراف المفاجئ» في مسار وأجواء العلاقة بين السكان و«اليونيفيل»، وفي حال استمر وتكرر هذا المنحى التصادمي الذي يجعل ان القوات الدولية تتحرك في «بيئة غير آمنة»، ربما تتحول الى «بيئة معادية» اذا ترسخ لدى السكان الذين يدعمون خيار المقاومة أو الذين يشكلون خط دفاع أول عن حزب الله و«واجهة مدنية» له، الاعتقاد بأن هذه القوات تتحول الى «قوات احتلال» اذا أصبحت في خدمة اسرائيل وحاجاتها ومطالبها في ترصد حزب الله وملاحقته والتضييق على جمهوره وأنشطته، واذا كانت اسرائيل تبني على هذه التطورات لتفعيل عمل القوات الدولية وتحويلها من قوة سلام الى «قوة ردع»، فإن للأوروبيين حسابات أخرى، وجنوح الوضع في اتجاه توترات على الأرض ومخاطر تتهدد أمن جنودهم يدفع بهم في اتجاه آخر هو «التفكير بالانكفاء» لا «التخطيط للاندفاع» ولديهم حساسية مفرطة تجاه أي مس بمهمة القوات الدولية وبأمن جنودهم أولا.