رئيس الوزراءالاسرائيلي بنيامين نتنياهو جال «جنوبا» قرب حماس وقطاع غزة ولكنه وجه تهديداته «شمالا» ضد حزب الله والحكومة اللبنانية، مساهما في التسخين السياسي للحدود اللبنانية الاسرائيلية، وفي حملة التهديدات التي ارتفعت وتيرتها التصعيدية في الأيام الأخيرة وانخرط فيها كبار المسؤولين من وزير الدفاع ايهود باراك، الى نائب وزير الخارجية داني أيالون.
وفي حين حذرت جميع الأطراف اللبنانية من خطورة هذه التهديدات التي تشبه تهديدات ما قبل الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982، كما قال النائب وليد جنبلاط، واستندت المعارضة الى هذه التهديدات لتبرير وتحفيز عملية تشكيل الحكومة في أسرع وقت وتحصين الوضع الداخلي. فإن الأجواء السائدة في بيروت تعاكس التصعيد الاسرائيلي وتعكس استرخاء واستبعادا لوقوع حرب وشيكة أو مفاجئة، لأن اسرائيل لا يمكن ان تخالف الاستراتيجية الاميركية للمرحلة المقبلة وحتى نهاية عام 2010، وهي استراتيجية القوة الناعمة في الشرق الأوسط التي تعمل على تجميد الجبهات في العراق وايران مقابل تسخينها في أفغانستان وباكستان، ولأن اسرائيل لا يمكن ان تواجه استراتيجية أوباما للسلام في الشرق الأوسط على أساس حل الدولتيــن وان تحبــط مساعيه بالاعتداء على لبنان في هذه المرحلة.
لماذا رفعت اسرائيل وتيرة ومستوى تهديداتها ضد لبنان؟ هل تندرج هذه التهديدات في سياق حرب نفسية اعلامية «وقائية» لردع حزب الله؟ أم انها تؤشر الى حرب ممكنة في المدى المنظور تتراكم عناصرها وظروفها تباعا؟
من الثابت ان اسرائيل تتحين فرصة الانتقام ورد الاعتبار لجيشها والثقة به بعدما فشلت في حرب يوليو 2006 وأكملت على امتداد ثلاث سنوات سد الثغرات وخطط التدريب للجيش والجبهة الداخلية.
ولكن ثمة أسبابا وعوامل راهنة تدفع باسرائيل الى التهديد والوعيد، ويمكن تفصيلها في أربع «نقاط ـ احتمالات» قد تكون احداها أو كلها مجتمعة:
- 1 ـ امتلاك اسرائيل معلومات وتقارير استخباراتية تفيد بأن حزب الله يسعى لتنفيذ تهديده بالانتقام لاغتيال مسؤوله العسكري عماد مغنية عبر استهداف سفراء أو سياح اسرائيليين في الخارج، بعدما كشف النقاب عن تخطيط لاغتيال السفير الاسرائيلي في مصر وعن تخطيط لتفجير السفارة الاسرائيلية في كازاخستان.
ويرى الاسرائيليون ان حوافز حزب الله للقيام بعملية انتقامية قد ازدادت. فهو يعيش ضائقة لبنانية وعربية، ويريد ان يخرج من ضائقته بواسطة تنفيذ عملية أو أكثر ضد اسرائيل (أهداف ديبلوماسية أو سياحية) تعيد له مكانته في العالم العربي والاسلامي. ولكن حزب الله يتفادى عملية يمكن ان تجر الى حرب مع اسرائيل لأنه لم يتخلص بعد من آثار الضربة المدمرة عام 2006. وربما يقع ثانية كما يرى الاسرائيليون في خطأ تقدير ردة الفعل الاسرائيلية كما حصل قبل ثلاث سنوات عندما لم يتصور ان رد اسرائيل على خطف جنديين لها سيكون بهذا الحجم.
ولذلك فإن تهديدات اسرائيل لا تهدف الى تحضير الأجواء لحرب بقدر ما تهدف الى ردع حزب الله ودفعه الى مراجعة حساباته جيدا وعدم اللعب بالنار حتى لا يؤتي بنتائج كارثية.
- 2 ـ امتلاك اسرائيل معلومات حول سعي حزب الله بمساعدة من سوريا وايران الى التزود بأسلحة نوعية ومنظومة مضادة للطائرات (محطات انذار وبطاريات صواريخ وصواريخ تطلق على الكتف) كانت برزت لديه كإحدى «العبر ـ الثغرات» في حرب يوليو 2006. وهذا ما سيؤدي الى الحد من حرية حركة سلاح الجو الاسرائيلي في لبنان، ويضاف الى قوة حزب الله الصاروخية التي نمت وتضاعفت في ثلاث سنوات لتصل الى 40 ألف صاروخ يمكن ان تبلغ تل أبيب ومفاعل ديمونة النووي، اضافة الى التحصينات والبنى التحتية التي أقامها استعدادا للمواجهة المقبلة. اسرائيل تراقب عن كثب تنامي قوة حزب الله وتدرس اتخاذ خطوات في حال الاخلال بالتوازن الدقيق، أو في حال تجاوز خطوط حمراء ومنها امتلاك حزب الله ونشره قدرات ووسائل قتالية مضادة للطائرات.
- 3 ـ قرب التجديد للقوات الدولية العاملة في جنوب لبنان (نهاية الشهر الجاري) على أساس القرار 1701. وما تفعله اسرائيل عبر رفع صوتها وتهديداتها انها توجه رسائل اعلامية الى المجتمع الدولي (مرفقة برسائل ديبلوماسية الى الأمم المتحدة) للفت نظره حول ما يمثله تسلح حزب الله من تهديد بالنسبة اليها والى الاستقرار في المنطقة، وما يقوم به الحزب من انتهاكات للقرار 1701 (ما حصل في خربة سلم وكفرشوبا). وما تريده عبر هذه الرسائل تعميق شعور الخيبة الدولية من أداء الحكومة اللبنانية والدفع في اتجاه ادخال تعديلات على مهام القوات الدولية و«قواعد الاشتباك» أو على الأقل ان يأتي التجديد لـ «اليونيفيل» مرفقا بصيغة ولهجة حازمة ومشددة حيال لبنان.
- 4 ـ التطورات الداخلية في لبنان التي تشير الى تعزز وضع حزب الله العائد الى الحكومة الجديدة ومن موقع أقوى والمغتبط بتحول جنبلاط وخروجه من تحالف 14 آذار، ما أدى الى كسر التوازن القائم منذ الخروج السوري من لبنان والى تقويض نتائج الانتخابات الأخيرة التي خسرها حزب الله مع حلفائه.
وهذا ما يدفع حكومة نتنياهو للدخول على الخط اللبناني وتحديدا على خط الحكومة الجديدة التي لا تريد لحزب الله ان يكون جزءا منها. مثلما يدفعها الى ان تشمل الحكومة اللبنانية بالتهديدات وتحميلها مسؤولية الوضع مع حزب الله بالتكافل والتضامن.
«حزب الله هو العنوان الأول لإسرائيل في أي عملية، ولكنه في حال دخوله الى الائتلاف الحكومي في لبنان فإن الحكومة اللبنانية تصبح كلها مسؤولة عن نشاط هذا الحزب»، هذا ما قاله نتنياهو وهو يتجول في المنطقة الجنوبية قرب قطاع غزة.