كشفت الوقائع الحكومية ان وزارة الاتصالات تشكل عقدة أساسية على طريق تأليف الحكومة العتيدة، لاسيما ان الوزارة لم تعد وزارة تقنية أو وزارة خدمات، كما كان لأعوام خلت، بل أصبحت وزارة شبه سيادية، ومصادر الأكثرية تعتبرها وزارة أمنية. وفي هذا السياق، كشفت مصادر مطلعة في الأكثرية ان الفريق الأكثري ليس في وارد تسليم التيار الوطني الحر هذه الحقيبة مجددا عموما، والوزير جبران باسيل خصوصا، مهما كانت الظروف، باعتبار ان الامساك بالاتصالات يعني عمليا وفقا لمصادر الأكثرية الامساك بجانب مهم من الملف الأمني نظرا لدور الوزير في تأمين الارتباط مع قطاع الهاتف الخليوي وقطاع الشبكة الثابتة للاتصالات، واستخدام هذه العلاقة لتسهيل الحصول على «داتا» الاتصالات الخليوية والأرضية، أو أي معلومة يمكن ان تتوافر من خلال أجهزة الوزارة وفرق المراقبة فيها.
وتضيف هذه المصادر ان الوزير باسيل لم يتعاط مع موضوع التنصت على نحو يسهل عمل الأجهزة الأمنية والقضائية المختصة، بحيث اصطدم مرارا مع الفريق الأكثري داخل مجلس الوزراء وخارجه. وهناك تخوف لدى الفريق الأكثري من ان تؤدي عودة الوزير باسيل أو أي وزير من التيار العوني الى الاتصالات، الى تزايد التشدد في الأجهزة الأمنية خصوصا بعد بدء العمل في غرفة المراقبة التي تم استحداثها ويتولى الاشراف عليها ضباط من الجيش وقوى الأمن الداخلي. كذلك يبدي الفريق الأكثري «مخاوف جدية» من ان تصبح «داتا» الاتصالات الخليوية في تصرف جهات غير رسمية متحالفة مع الوزير باسيل أو من يمثل التيار، وهذه المسألة لها محاذيرها الكبيرة لدى أقطاب الأكثرية الذين يتخوفون من ان يكون مضمون اتصالاتهم الخليوية والثابتة يصل الى جهات حزبية غير رسمية.
وقد دفع هذا التخوف قطب فاعل في الأكثرية الى شراء أجهزة اتصال مشفرة متطورة وزعها على عدد من الأقطاب الأكثريين وعلى مراجع رسمية لتأمين اتصال «آمن» بين هذا القطب الأكثري والمراجع الأخرى من دون أي احراج.
في المقابل، فإن مصادر المعارضة، ولاسيما في التيار الوطني الحر، تقول ان وراء الاصرار على «سحب» وزارة الاتصالات من الوزير باسيل والتيار، رغبة واضحة في «وضع اليد» على القطاع الخليوي المطروح على الخصخصة، وعلى الشبكة الأرضية التي تؤمن مداخيل كبيرة للدولة، فضلا عن هاجس الرغبة في التعاطي مع «منتجات» الاتصالات الخليوية والثابتة (أي التنصت) وفق معايير خاصة تمكن فريقا أساسيا في الأكثرية من الامساك بهذا الملف من كل جهاته.
وتورد مصادر التيار الوطني الحر سلسلة معلومات عن ممارسة سابقة آثر الوزير باسيل عدم الخوض فيها في مؤتمراته الصحافية ومقابلاته الاعلامية حفاظا على الحد الأدنى، لكن هذا «التحفظ» قد يسقط اذا ما استمرت الحملة ضد عودة باسيل الى الاتصالات أو عدم اعطائها لمرشح العماد عون.
أما بالنسبة الى التنصت، فتقول المصادر ان المركز الخاص بتعقب المخابرات أنجز خلال مدة وان مباشرة العمل فيه تتطلب قرارا سياسيا يعهد الى الجيش وقوى الأمن الداخلي والتنسيق في ما بينها وبين وزارة العدل والسلطة القضائية، مهمة ملاحقة الاتصالات المشبوهة أو تلك التي يطلب القضاء مراقبتها.
وتشير المعلومات المتوافرة الى ان تمسك الرئيس المكلف كما أظهرت تشكيلته التي قدمها الى رئيس الجمهورية بعدم اعطاء وزارة الاتصالات الى العماد عون، تقابله صلابة لا مثيل لها من «الجنرال» بالنسبة الى وزارة الاتصالات، مما يشير الى ان عقدة الاتصالات قد تطيح مرة أخرى تشكيل الحكومة الجديدة، علما ان التعاطي مع ملف وزارة الاتصالات صار تعاطيا شخصيا أو ربما دخل مرحلة «تقويم الكلام». وقد دفع هذا الواقع بعض سعاة الخير العاملين على خط ولادة الحكومة، ومنهم الطامحون الى التوزير، الى طرح اقتراح يقضي بإعطاء الاتصالات الى رئيس الجمهورية اذا ما تم التسليم بأن هذه الوزارة لم تعد «وزارة خدمات» بقدر ما أصبحت «وزارة أمنية» من الطراز الأول. وبذلك تصبح «الوزارات الأمنية» من حصة رئيس الجمهورية، بعد الدفاع والداخلية، خصوصا ان البلاد مقبلة على انتخابات بلدية، فضلا عن تسهيل متابعة المشتبه بهم والمتهمين بأعمال ارهابية أو بجرائم متنوعة، وفي اعتقاد هؤلاء الساعين ان هذا الاقتراح «فكة مشكل» بين المعارضة والأكثرية وتسليم من الجهتين بتعزيز دور رئيس الجمهورية.