الانطباع الأقوى في بيروت هذه الأيام ولدى شريحة سياسية واسعة ان الحكومة الجديدة وضعت جديا على مسار التأليف والمسألة مسألة أيام، وان القمة السورية ـ السعودية أرست أرضية صلبة للتوافق اللبناني ووفرت فرصة اقفال أزمة الحكومة الراهنة، وقلصت الى حد كبير البعد الخارجي لهذه الأزمة. أما التأخير الحاصل فإنه يعود أولا الى رغبة سورية ـ سعودية في الا تكون الحكومة نتيجة مباشرة وسريعة لقمة دمشق، والا يظهر البلدان في مظهر المتدخل في الشؤون اللبنانية الداخلية وانهما صاحبا نفوذ وقدرة على التأثير الحاسم في أوضاعه والارادة السياسية لأطرافه.
ويجري تحديد نهاية الأسبوع الجاري أو نهاية الشهر على أبعد تقدير موعدا لولادة الحكومة بعدما تكون اتصالات ما بعد عودة الرئيس ميشال سليمان من اسبانيا أفضت الى حل عقدة وزارة الاتصالات، اما على قاعدة ابقاء القديم على قديمه وكل الوزارات الحالية على حالها، أو على قاعدة احداث تغيير في وزارة الاتصالات على ان يتم «ارضاء» العماد عون بوزارة التربية مضافة اليها واحدة من الحقائب التالية العدل أو الصحة أو الأشغال، وبالتالي فإن تأخر ولادة الحكومة يعود الى سبب داخلي أكثر منه خارجيا، والعقدة كامنة في عملية توزيع الحقائب والحصص والأحجام في حكومة معدة لأن تحكم لبنان لسنوات مقبلة.
لكن ثمة أوساطا ديبلوماسية لا ترى مؤشرات كافية لولادة الحكومة قريبا انطلاقا من تقييم دقيق ومختلف للقمة السورية السعودية ونتائجها لا ينسجم تماما مع أجواء التفاؤل المفرط الذي اجتاح الوسط اللبناني، في حين ان هذه القمة لم تغير جذريا في الظروف والعوامل التي أحاطت بعملية تشكيل الحكومة وأدت الى أزمة متمادية منذ أربعة أشهر، وفي التقييم الديبلوماسي للقمة ونتائجها تبرز النقاط التالية:
ـ سورية والسعودية لاعبان كبيران في المنطقة لكنهما لا يختصران كل اللاعبين سواء في الدائرة العربية أو الشرق أوسطية أو الدولية، وفي ذلك ما يجعل من اللقاء السعودي ـ السوري رغم ما أحيط به من أهمية، خاصة ما أشيع حوله من مناخات تفاؤلية، من جهة حركة منعزلة عن الاطار الأوسع للتوترات في المنطقة، ويتخطى من جهة ثانية السقف الذي ترسمه حركة الانفتاح الدولي على دمشق بسبب عدم اكتمال شروط الانتقال الى مرحلة التطبيع الكامل.
ـ الملف اللبناني كان في صلب القمة وشغل حيزا أساسيا منها، لكنه لم يكن أولوية فيها وهدفها المباشر، فخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أراد من خلال زيارته الى دمشق تكريس انفتاح عربي على دمشق في سياق توجه لمصالحة سورية مع مصر وتنسيق الموقف العربي حيال عملية السلام من جهة، ولتشجيع سورية على الابتعاد التدريجي عن ايران من جهة ثانية وبدءا من الملفين العراقي والفلسطيني، والرئيس بشار الاسد سعى من جهته الى تكريس فصل العلاقة السورية - السعودية عن الملف اللبناني بحيث لا يكون مقياسا لها أو ممرا اجباريا.
ـ الملك عبدالله بدا مهتما في الملف اللبناني بمسألتين: تسهيل وتسريع دمشق عملية تشكيل الحكومة اللبنانية، واحتضان الرئيس الجديد للحكومة سعد الحريري ومساعدته على تثبيت دعائم حكمه، وفي الجواب السوري على هذين المطلبين، بدا ان الرئيس الاسد غير متجاوب مع فكرة ان التسهيل مطلوب من دمشق ويعني ان تمارس ضغوطا على حلفائها، انما يعتبر ان أمر التأليف منوط بالحريري وقدرته على اتخاذ ما يلزم من قرارات ومبادرات، كما بدا ان دمشق مهتمة جدا بوصول سعد رفيق الحريري الى رئاسة الحكومة وبزيارته الى دمشق لأن معه ستكون أقصر الطرق وأسرعها لاعادة بناء العلاقات السورية ـ اللبنانية (وضمنا خصوصا العلاقة مع الطائفة السنية)، لكن دعم دمشق للحريري ليس من دون ثمن ومن دون مقابل، والمطلوب هنا تصفية رواسب وآثار المرحلة السابقة واعادة العلاقات الى سابق عهدها والى ما كانت عليه قبل العام 2005 مع ما يعنيه ذلك من اعتراف متجدد بدور سورية ونفوذها ومصالحها السياسية والأمنية في لبنان.