يربح فريق 14 آذار الانتخابات النيابية ليفاجأ قبل غيره بهذا الربح الذي لم يكن يتوقعه ولم يكن جاهزا للتعاطي مع نتائجه. بعد الانتخابات تظهر عوارض تفكك وتلبك داخل هذا الفريق مع «الخروج الملتبس» لأحد أركانه الزعيم الدرزي وليد جنبلاط. يخرج فريق 14 آذار بمعنويات منخفضة من معركة الحكومة وبوضع غير متماسك دلت عليه بوضوح «انتفاضة الكتائب»، في وقت فريق المعارضة يظهر صورة تماسك وانسجام في نهاية هذه المعركة وفي الاجتماع الختامي الذي عقد في مقر اقامة أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله. ولكن 14 آذار الخارجة من معركة حكومية لم تكن نتائجها في المستوى المطلوب، تخرج من «انتخابات نقابية» بنتائج جيدة ان دلت على شيء فإنها تدل على ان «عصب 14 آذار مازال موجودا ومشدودا، وان وضعها الشعبي الجيد لا يطابق وضعها السياسي السيئ».
إذن ثمة مؤشرات متناقضة تدفع الى التساؤل عن واقع 14 آذار وعن مكمن الخلل والمشكلة الراهنة، وعن مستقبل هذه الحركة التي طبعت الحياة السياسية في لبنان على امتداد 4 سنوات، والمرشحة لأن تصاب بتغييرات سياسية سلوكية وبنيوية في مرحلة خلط الأوراق التي بدأت رسميا مع القمة السورية السعودية، وتبدأ عمليا مع زيارة الرئيس سعد الحريري الى دمشق.
المشكلة عند 14 آذار هي مشكلة «ظروف إقليمية ودولية» تغيرت. فالمواجهة بين الولايات المتحدة وسورية انقلبت حوارا، ولبنان الذي كان ورقة ضغط في يد اميركا تحول الى ورقة تفاوض في يد سورية. وفي فرنسا يسلك الرئيس ساركوزي البراغماتي سلوكا مغايرا عن سلفه الرئيس شيراك، ولم يعد لبنان أولوية لديه وأصبحت سورية بوابته الى الشرق الأوسط وهكذا.
المشكلة عند 14 آذار هي مشكلة معادلة داخلية مختلة وميزان قوى الكلمة فيه للأرض والأقوى عليها، حالت دون قدرة 14 آذار على الإفادة من الانتخابات لتحقيق وترجمة شعاراتها «السيادية» وحملتها على مضض على قبول حكومة الوحدة الوطنية وبغير شروطها.
المشكلة عند 14 آذار هي أقل ما تكون مشكلة أداء وتنظيم على نحو ما أظهرته ردة الفعل الكتائبية على تمثيلها الباهت في الحكومة، والحل لا يكون في قيادة جماعية مصغرة وتغيير آلية اتخاذ القرارات والمواقف، ولذلك فإن هناك ما يشبه حال «إحباط وضياع» عند قوى 14 آذار بدأت معالمها تتكون بعد 7 مايو واتفاق الدوحة، لتترسخ وتتعمق بعد 7 يونيو وحكومة الانتخابات. وهذه الحالة تعبر عنها أوساط 14 آذار عبر الاعتراف صراحة بان حزب الله تمكن من إجهاض نتائج الانتخابات النيابية التي أفرزت أكثرية واضحة لها، وتمكن من فرض كل ما أراده ومن تكريس عرف جديد يقول بعدم ميثاقية أي حكومة تقوم على الأكثرية، وأعطى لنفسه حق النقض (الڤيتو). كما تمكن حزب الله ومن معه من سحب وليد جنبلاط والعصب الدرزي من الأكثرية، ومن إعادة الاعتبار الى التيار الوطني الحر داخل الصف المسيحي، ومن كسر اندفاعة الزعيم الشاب سعد الحريري وخلق تباعد بينه وبين جنبلاط ودق اسفين بينه وبين حلفائه المسيحيين. هذه الأوساط ترسم صورة التراجع المتدحرج لـ 14 آذار من حكومة أكثرية غير عابئة بانسحاب الطرف الشيعي (قبل الدوحة) الى حكومة الثلث المعطل (قبل الانتخابات) الى حكومة تعكس ميزان القوى في الشارع أكثر مما تجسد نتائج الانتخابات النيابية، كما انها تعبير عن وضع إقليمي انتقالي يتصف بالمراوحة ويقف على أبواب تحولات وتبدلات جذرية ما سيؤدي في شكل أو آخر الى تعليق جدول أعمال 14 آذار وشل حركتها ليس فقط من الزاوية التنظيمية والادارية، وانما من الزاوية السياسية أيضا، ما يدفع في اتجاه البحث عن أطر جديدة من روحية 14 آذار ويجعل ان الجهد في هذه الحكومة ينصب على محاولة تدوير الزوايا وإيجاد المخارج اللازمة تلافيا لأي صدام محتمل بين مكوناتها. وبالتالي فإن الهدنة السياسية التي أملتها ظروف المنطقة تتطلب التكييف الصعب بين ضرورات الهدنة واستمرارها من جهة، وعدم التخلي عن الثوابت وعنوان المعركة السياسية وهو «مشروع الدولة» من جهة أخرى.
ولكن في 14 آذار من لايزال مؤمنا بدورها ومستقبلها رغم ما أصابها من اهتزازات، مراهنا على دور الرئيس سعد الحريري وتياره كرأس حربة في الصراع الداخلي بامتداداته الإقليمية، ومعتبرا ان الالتباس في وضع 14 آذار ليس ناجما عن مشكلة بنيوية وذاتية، وانما نتيجة وضع إقليمي ملتبس وانتقالي محدد بسقف زمني يعد بالأشهر، وبسقف سياسي هو الملف الإيراني وعملية السلام. وصحيح ان خطوات مثل إعادة هيكلة تحالف 14 آذار وتغيير أسلوب العمل والأداء خطوات جيدة لإقفال ثغرات موجودة. ولكن الأهم هي المقاربة الجديدة للوضع السياسي وللمرحلة الجديدة في لبنان والمنطقة التي عنوانها التهدئة الداخلية والترقب الإقليمي، والتي تفرض إدخال تعديلات على التوجهات والأدبيات والخطاب السياسي وخفض سقف الطموحات والمشاريع.