روى المستشار الاعلامي للرئيس الشهيد هاني حمود ولأول مرة لـ «صوت لبنان» وقائع اليوم الأخير قبل استشهاد الرئيس رفيق الحريري، وقال: اتصل بي السابعة صباحا وسألني: هل فيقتك (أيقظتك)؟ وأضاف: بعدك نايم؟ ففهمت انه يريدني عنده في قريطم، فوصلت اليه نحو الثامنة، ووجدته مرتديا كل ثيابه، على غير عادته في هذا الوقت، حتى رابطة العنق، وهو عادة لا يضع رابطة العنق الا في آخر لحظة، فقلت له خير ان شاء الله، فأجابني: لم أنم، كنت منزعجا، فسألته ما الذي يزعجك؟ فأجاب: الذي يزعجك انت.
وأضاف حمود: وقتها كانت المرحلة السياسية شديدة التوتر، فترة يغمرها الشعور بأن انفجارا ما سيحصل، وهو لم يكن يتقبل فكرة انه هو شخصيا يمكن ان يتعرض لأمر ما، رغم محاولة اغتيال النائب مروان حمادة الذي نجا بأعجوبة، والتي عاشها الرئيس الراحل بشكل حميم وقاس للغاية، ابتداء من لحظة تبلغه خبر محاولة الاغتيال وهو في باريس.
في ذلك اليوم كان مجلس النواب يناقش قانون الانتخابات، ولهذا السبب عاد الرئيس الحريري من باريس، وهذا ايضا ما جعل القاتل يعرف سلفا خطة سيره في ذلك النهار. وبعد مراجعة الصحف، نزلنا الى مكتبه، وكان عنده ابن خالته م.أمين حجازي، فحاولت استغلال الفرصة وانسحبت لأذهب الى الجريدة، لكنه أصرّ على ان أبقى، ثم مازحني بسؤال: من تظن أكبر بالعمر انا أم أمين؟ فقلت له: لا ادري انتما متقاربان، فأجاب: أمين أصغر مني بسنة وكم شهر، لكن بشرفك مش انا مبين اصغر منو، ثم ضحك ضحكة عريضة، وكانت آخر صورة تركها لي.
وقال هاني حمود: كثيرون أصروا على الرئيس الحريري الا يعود في تلك الآونة الى بيروت وخصوصا السيدة نازك، لكن كان هناك نوع من القدرية لديه، وهو مقتنع بأنه لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا، كما انه كان يرى انه لن يستهدف، وكان مهتما بالجلسة النيابية التي ستبحث في قانون انتخابي مصيري، وقد ابلغنا قبل تحركه انه سيعود الى باريس بعد الجلسة للاحتفال بعيد ميلاد ابنته هند التي يحبها. الساعة الواحدة الا خمس دقائق، قال حمود: كنت في مكتبي بصحيفة «المستقبل»، قبل الانفجار بعشر دقائق، تلقيت اتصالات من «أبوطارق» «أمين» الرئيس، أبلغني على لسان الرئيس انه الآن في الإتوال (مقهى في ساحة البرلمان)، ومتجهين الى المنزل ويريدك على الغداء، فرحت أوضب أوراقي، وما هي الا دقائق حتى دوى انفجار كبير، وبدأت اتصالاتي لتبيان ما حصل، اتصلت أولا بقريطم، فرد السنترال، وسألته عن دولة الرئيس، فقال: هنا، قلت اعطني اياه، فغاب السنترال طويلا ثم عاد ليقول لي لا أعرف أين هو.
لاحقا عرفنا انه نزل الى البرلمان دون ان يبلغ احد السنترال بمغادرته، بعدها اتصل بي احد الزملاء وقال لي ورائي حصل انفجار عملاق في منطقة السان جورج، هنا اتصلت بأحد الزملاء بالجريدة وقلت له قتلوا رفيق الحريري، ثم أقفلت الخط، وقد تحققت من ذلك من مراجعة الصور الملتقطة عن الانفجار، وقد استوقفتني احدى الصور وفيها رأيت «المحبس» في اليد ثم «بروفيل» الوجه كان واضحا. وفي قريطم، تابع حمود قائلا: قال لي النائب السابق باسم السبع: انعي دولة الرئيس، فأخذت زاوية في الغرفة وبدأت بكتابة نص النعي، لأعطيه الى تلفزيون المستقبل، بعدما وضعت كل مشاعر الحزن والقهر والغضب، وقلت لنفسي: رفيق الحريري طلب مني مثلما كان يطلب مني ان اكتب نصا، وسأكتب افضل نص أستطيعه، وامتنع حمود عن تذكر النص.
وأشار المستشار الاعلامي للرئيس الشهيد الى ان الراحل الكبير لم يكن يسمع بخبر من اعلامي او انتقاد الا ويأخذه على محمل الجد. وقال: نظرة الحريري للإعلام كانت جزءا من نظرته الى لبنان، وللقدرة الفريدة للبنانيين، وللحرية التي يصفها بـ «بارفان» لبنان. وبسؤال هاني حمود المستشار الإعلامي الحالي للرئيس سعد الحريري عما تغير بالنسبة اليه بين الأب والابن قال: كل شيء تغير، وكما يقول النائب مروان حمادة: لا يتعرف الشخص على رفيقي حريري، فعلا الانطباع الغالب عن الرئيس رفيق الحريري ان هذا الرجل لا يتكرر، وهذه سنة الحياة، ولا اعتقد ان احدا يزعم وخاصة دولة الرئيس سعد الحريري انه يكرر شخص والده، بل هو يتابع مسيرته.