تستعد حكومة الرئيس سعد الحريري لإدارة أول استحقاق انتخابي في عهدها، وللدخول في عملية التعيينات الإدارية بعد الاتفاق على آليتها، وللذهاب الى دمشق بعد إنجاز عملية مراجعة الاتفاقات السابقة، وفي كل ذلك ما يوحي بان الحكومة على وشك ان تغادر دائرة المراوحة، وان تباشر انطلاقتها الفعلية بعدما انتهت فترة السماح وتجاوزتها من أسابيع (مهلة المائة يوم)، ولكن في موازاة حالة التأهب والجهوزية العملية عند الحكومة، تبرز حالة سياسية مختلفة من شأنها ان تثير الشكوك حول وضعها ومستقبلها ويطرح مصيرها على بساط البحث ومن خلفية حدوث تغيير مبكر في تركيبتها وسياستها العامة، ثمة حديث عن «التغيير الحكومي» يتنامى في الكواليس والصالونات السياسية ويتأرجح بين «توقعات وتسريبات» محددا سقفا زمنيا «قريبا» لهذا التغيير بحيث لا تكمل الحكومة عامها الأول، ولكن يصعب تحديد أسباب هذا الصعود المفاجئ في أجواء تغيير الحكومة والجهات التي تقف وراءها وما ترمي اليه.
في التوقعات أولا، هناك من يتوقع ان تتعرض الحكومة في مرحلة ما بعد الانتخابات البلدية لضغوط واهتزازات من الباب غير السياسي في حال فشلت في اقرار الموازنة العامة واشتبكت حول التعيينات الادارية ولم توفق في احتواء موجة الاضرابات والاحتجاجات العمالية والحركات المطلبية المتزايدة، وهناك من يتوقع ان تدخل الريح من الباب السياسي وان تأتي «المبادرة» من العماد ميشال عون الذي «يفكر» في سحب وزرائه من الحكومة احتجاجا على الطريقة التي تدار بها الأمور وردا على كل ما حدث في الآونة الأخيرة من صفقات أو توافقات سياسية خفية أطاحت بالقانون الجديد للبلديات ويمكن ان تنسحب على التعيينات والموازنة، وهذه الرسالة السياسية الاعتراضية التي يوجهها عون تشمل كل الشركاء في الحكومة: الخصوم المستمرين في «محاربته» والحلفاء المحجمين عن مساندته.
وفي «التسريبات» ثانيا هناك لغط وغموض بشأن التغيير الحكومي وظروفه وأهدافه. وبالإجمال فإنه يوضع في خانة الاستعدادات والاجراءات المتخذة لملاقاة مرحلة اقليمية حافلة بالاستحقاقات والتحديات، سلما أو حربا، وتنذر بتعقيدات وأوضاع أصعب وتمدد المرحلة الانتقالية وتأخر مرحلة الحسم والقرارات النهائية، كما ان التغيير الحكومي يحسب على سورية كجهة مشجعة أو محرضة عليه لأنها تريد حكومة أكثر قربا والتصاقا بها في مرحلة تجميع أوراق القوة في يدها، ولأنها تعتبر ان تغييرا جذريا قد حصل في الوضع اللبناني والمعطيات الخارجية والداخلية (الحوار السوري ـ الاميركي والتفاهم السوري ـ السعودي وخروج جنبلاط من 14 آذار والتحول الجاري في ميزان القوى السياسي...)، وان هذا التبدل يدفع في اتجاه ارساء معادلة سياسية جديدة في البلد بمباركة سعودية ـ اميركية، خصوصا ان سورية التي تسدي خدمات في العراق ليس الا الساحة اللبنانية مجالا لمبادلتها بالمثل.
وثمة انطباع عام بأن مشروع التغيير الحكومي يندرج في سياق ضغوط سياسية على الرئيس سعد الحريري لإدخال تعديلات على سياسته ومواقفه وأدائه وبما يتناسب وينسجم مع طموحات دمشق ومقتضيات المرحلة.