كانت جبهة الحرب، بما في ذلك الحرب النفسية، قد هدأت منذ أسابيع وسحب كلام الحرب من التداول الإعلامي الى حد كبير، وتحديدا بعد قمة دمشق الثلاثية وما قيل عن «توازن ردع ورعب» أحدثته. ولكن أجواء الحرب تجددت في أعقاب تقارير غامضة وغير مؤكدة حتى الآن لا من إسرائيل ولا من الولايات المتحدة تحدثت عن تسليم سورية صواريخ سكود الى حزب الله، والتي تعتبر كاسرة للتوازن الاستراتيجي. فبادرت إسرائيل الى انتهاز هذه الفرصة وتضخيم مسألة الصواريخ الى حد «تجهيزها» كذريعة وغطاء لأي حرب محتملة ضد حزب الله ولبنان. وكان من اللافت ان الإدارة الاميركية تلقفت هذا الموضوع بحماسة مفرطة (بخلاف تعاطيها الهادئ مع قمة الأسد ـ نجاد ـ نصرالله) معتبرة، على لسان نائب مساعد وزيرة الخارجية جيفري فيلتمان، ارسال الصواريخ عملا استفزازيا و«مهيجا» واتهاما خطيرا اذا تبين انه صحيح، وخطأ كبيرا ترتكبه دمشق وستدفع ثمنه، وحيث ستكون كل الخيارات مطروحة على الطاولة لمواجهة هذه المسألة.
ولكن صواريخ سكود ليست وحدها العامل المحرك لأجواء الحرب من جديد، وانما يمكن اعتبارها «بمثابة رأس جبل الجليد» الذي يخفي وضعا متأزما شديد التعقيد والحساسية والخطورة من جراء الاشتباك الحاصل في الملفات الـ 3 الكبرى الإيرانية والعراقية والفلسطينية، ومع عودة الملف الإيراني الى مسار العقوبات والتصادم ودخول العراق في مرحلة انتقالية من العنف والفراغ، وعدم تحقق أي تقدم في عملية السلام. وتبرز في هذا المجال نظريتان:
الأولى: صادرة عن مصادر ديبلوماسية عربية، تعبر من جهة عن ارتياح بالغ الى التحول الحاصل في سياسة واشنطن والتزامها حيال عملية السلام بوصفها مصلحة إستراتيجية لأميركا والضغوط التي تمارسها على إسرائيل. وتبدي من جهة أخرى خشية حقيقية إزاء إمكان حصول «تقاطع مصالح» إسرائيلي ـ إيراني يطيح بالجهود والخطط الاميركية ويدفع المنطقة الى الحرب. وهذا التقاطع حاصل على مستويين:
ـ التطرف الاسرائيلي (حكومة نتنياهو) والايراني (نظام الجمهورية الاسلامية) يعارضان ومن منطلقات مختلفة عملية السلام على أساس حل الدولتين، ولا مصلحة لهما في ان يبصر النور لأنه يجهض مشاريع إسرائيل التوسعية المتطرفة ويساهم في تطويق ايران المتمددة في المنطقة من باب القضية الفلسطينية.
ـ إسرائيل وإيران تواجهان أوضاعا وضغوطا قوية دولية (عملية السلام والملف النووي) وداخلية (المعارضة). وحيث تصبح الحرب متنفسا ومخرجا لهذه الأوضاع «المضغوطة والمسدودة».
الثانية: صادرة عن مصادر إيرانية وسورية، تعبر من جهة عن ارتياب وحذر إزاء تضخيم مسألة صواريخ سكود والتذرع بها لدفع التوتر في المنطقة الى مستويات متقدمة، وتبدي من جهة أخرى خشية حقيقية من حصول تقاطع أميركي ـ إسرائيلي عند نقطة الحرب ومصلحة مشتركة للهروب من إحراجات عملية السلام والأزمة التي تعصف بعلاقاتهما. ومن نجاح إسرائيل في جر أميركا الى سياستها وموقعها، مستفيدة من عامل الوقت الذي يضغط على أوباما ويدفعه الى اتخاذ قرارات صعبة وتحديد خياراته وتوجهاته على أبواب 3 استحقاقات داهمة: الانتخابات النصفية للكونغرس في الخريف المقبل التي تحدد احتمال التجديد له فترة رئاسية ثانية أو عدمه، والانسحاب الأميركي من العراق الذي يبدأ عده العكسي هذا الصيف، وسط مؤشرات تؤكد ان ايران هي المؤهلة لملء الفراغ الأميركي، والمهلة الزمنية المحددة لاحداث اختراق في عملية السلام وقبل انعقاد القمة العربية الاستثنائية. وهذا الوضع يجعل قدرة إدارة أوباما على لجم الاندفاعية الإسرائيلية نحو الحرب وممارسة ضغوط جدية عليها تصبح قدرة ضعيفة ما يعزز احتمال خروج الوضع عن السيطرة. وبما ان أوضاع الشرق الأوسط تعيش حالة عدم استقرار حقيقية، فإن وقوع أي خطأ في التقدير والحسابات سيؤدي حتما الى كارثة إقليمية محققة.
وأما «رغبة الحرب»، حسب هذه المصادر، فإنها موجودة لدى إسرائيل التي تقدم على الخيار العسكري في حالتين: اذا كان طريق التسوية السياسية مغايرا لاعتباراتها ومصالحها. وإذا كان ميزان القوى الاستراتيجي والتفوق الاسرائيلي في خطر فعلي وقابلا للتغير. والحال ان العاملين متوافران حاليا ويدفعان، اضافة الى رفض إسرائيل ستاتيكو ما بعد حرب يوليو 2006 وتفاقم خطر حزب الله، في تأجيج القلق الاستراتيجي لإسرائيل ودفعها الى «حافة الهاوية». والحرب.