الانتخابات البلدية وملفات الموازنة والتعيينات واللامركزية كلها وضعت جانبا وتراجعت مؤقتا ليتقدم الملف السياسي من جديد ومن خارج جدول أعمال المرحلة، ويعود السجال حول ملفات ومسائل حساسة ومن خارج طاولة الحوار الوطني، وقبل ان يحين موعد استئناف جلساتها قريبا. وهذا الخروج في المسار السياسي الداخلي للوضع عن المكان والزمان المحددين، حصل نتيجة تطورين هما: موقف الرئيس ميشال سليمان من موضوع المقاومة والاستراتيجية الدفاعية، والذي اعتبر «الأوضح والأعلى سقفا سياسيا» منذ وصوله الى بعبدا، وخطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الذي يتبع استراتيجية «الدفاع الهجومي» ويعلن توسيع نطاق الردع وتوازن الرعب من البر الى البحر، ويبدو ان قوى 14 آذار، الجانب المسيحي فيها خصوصا، قد فوجئت بمواقف وخطابات عيد التحرير ولم تتردد في التعبير عن «صدمتها وقلقها» وان بنسب متفاوتة:
1 - قرأت أوساط 14 آذار في خطاب السيد حسن نصرالله ما هو أبعد من رسالته العسكرية لإسرائيل (الردع البحري)، حيث انه انطوى على رسائل سياسية في عدة اتجاهات ورأت فيه:
ـ استهدافا لزيارة الرئيس سعد الحريري الى واشنطن وتشويشا على مضمونها ونتائجها.
ـ تأكيدا من جانب حزب الله على انه هو من يمسك بقرار الحرب والسلم على مستوى الدولة اللبنانية.
ـ تجاوزا للضجة الدولية الأخيرة على «صواريخ سكود» ومسألة امتلاك حزب الله أسلحة متطورة.
ـ رفعا لوتيرة ومستوى التهديدات ولمعادلة «الردع»، مع ما يؤدي اليه ذلك من رفع درجة التوتر وأجواء الحرب في المنطقة وتوسيع مسرح أي حرب محتملة و«تدويلها».
ـ دخولا على خط التوتر العالي في المنطقة بما في ذلك العقوبات على إيران واستئناف المفاوضات.
يقابل هذه القراءة قراءة سياسية مضادة من حلفاء حزب الله الذين رأوا في خطاب السيد نصرالله:
ـ كلاما حاسما بلغة واضحة ونبرة واثقة وخطاب «الند للند».
ـ الكشف عن توازن ردع جديد بقدرة استهداف السفن الاسرائيلية.
ـ التلويح بأن أي حرب تشنها اسرائيل ستتحول الى حرب شاملة في المنطقة.
ـ تعطيل المفاعيل النفسية والمعنوية لمناورات «تحول 4».
ـ حمل اسرائيل على اعادة النظر في خططها العسكرية وطرق تأمين جبهتها الداخلية.
2 - بالنسبة لموقف الرئيس ميشال سليمان الى قناة «المنار» فقد تطور الأمر الى اصطفاف سياسي محوره رئيس الجمهورية، وهذا نادرا ما حصل منذ سنتين، وحيث أبدى مسيحيو 14 آذار تضامنا مع موقف د.سمير جعجع الذي كان المبادر والسباق الى فتح النار السياسية في اتجاه رئيس الجمهورية. ورأوا ان الرئيس سليمان بموقفه هذا يخرج عن مرجعيته التوافقية ويستبق نتائج الحوار، ويكاد ينعى هيئة الحوار وجدواها. واختصرت الأمانة العامة لـ 14 آذار الموقف بالقول في بيانها، وفي رد على رئيس الجمهورية من دون ان تسميه: «ان عدم وصول طاولة الحوار الى اتفاق على الاستراتيجية الدفاعية بعد، يعني ان الفرقاء اللبنانيين المعنيين لم يتفقوا على هذه الاستراتيجية، وهو ما يقتضي من اللبنانيين على مختلف مواقعهم المسؤولة عدم استباق نتائج الحوار».
وبالمقابل حصل «تضامن» مع الرئيس سليمان كان السباق اليه السيد حسن نصرالله في خطابه، تلاه الرئيس بري الذي أعلن من قصر بعبدا ان الرئيس لم يحد عن خطاب القسم أبدا، وان ادارته ورئاسته للحوار لا تعنيان ان يكون الرئيس محايدا في القضايا الوطنية، فلا تناقض بين ادارة الحوار ودعم المقاومة، وسرعان ما انضم الى الحملة التضامنية الرئيس عمر كرامي في اعتباره ان موقف الرئيس سليمان يمثل الموقف اللبناني الرسمي الذي نص عليه البيان الوزاري، ومن لا يعجبه هذا الموقف فليسحب وزراءه من الحكومة.
وحتى الآن لم يصدر أي رد فعل من العماد ميشال عون المستفيد من موقف رئيس الجمهورية الذي يصب في طروحاته وخياراته السياسية، والمتضرر من صعود «نجومية» سليمان عند دمشق وحزب الله، وكذلك تعزز دوره ومكانته في الحكم وعلى صعيد المعادلة المسيحية فيه.