علي رباح
هل تفاجأ يوما اذا غيرت القيادات اللبنانية مسارها من السياسية الى الفن؟ وان كان للطرب مكان في حياة قيادات الصف الاول، فأي اغنية يختارون؟ هي اسئلة صعبة ولكنها لا تحتاج الى دراسات وابحاث، فرجال السياسة في لبنان والذين لطالما اختلف بعضهم مع بعض في ادارة الشأن العام، اتفقوا اخيرا على تذوق اغنية واحدة تتماشى مع نتائج الانتخابات البلدية، ورددوا مع بعضهم اجمل ما غنت المطربة الاماراتية احلام.». واللي ما يطول العنب حامض.. عنه يقول». نتائج كانت حامضة وربما مرة لجميع الاحزاب والتيارات السياسية دون الحصر، ولم يتذوق حلاوتها وطيبها الا رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان الذي خرج منها منتصرا لقدرته على تمرير هذا الاستحقاق بأقل خسائر ممكنة محافظا على الدستور ومهله القانونية.
استحقاق لن يغير صورة لبنان السياسية ولكن اقل ما يقال فيه انه بعث برسائل واضحة وصريحة و«خطيرة» للجميع، فمقولة «البلدية تختلف عن النيابة» تحتمل الكثير من وجهات النظر، لان البلدية اخطر بكثير، فهي ترسم فكرة صريحة عن الحجم السياسي للفرقاء في كل بيت وزاروب، وتفعل دور الفرد لا الجماعة، وهذا اصدق تعبير عن «النسبية» التي تسعى القوى لتمريرها في الاستحقاقات المقبلة، ودليل قاطع بان الدوائر الانتخابية الصغيرة تطيح بـ «المحادل».
وفي جولة على خريطة لبنان السياسية للبلدية نلاحظ الاخفاقات التالية:
1- اصيب تيار المستقبل بضربة موجعة في بيروت تمثلت بنسبة اقتراع لم تتجاوز الـ 21% وبسجال لاحق بين النائب عمار حوري ووزير الداخلية زياد بارود الذي لم يكن من واجبه الا ان يعلن النتائج بالارقام كما جرت العادة، وهذا ما سبب امتعاض «المستقبل» الذي اقترح اعلان فوز اللائحة فقط من دون اعلان الارقام الخجولة التي حصلت عليها بالاضافة الى حصول رئيسها بلال حمد على اقل نسبة اصوات.
وفي البقاع الغربي برز مؤشر خطير تمثل بصراع قوي بين اجنحة «المستقبل» ما افقده معركة جب جنين بلدة وزير البيئة محمد رحال ومركز القضاء.
اما الضربة الكبرى فكانت شمالا حيث اخفق «المستقبل» في عقر داره وفي بلدات كوادره، ولم يتمكن من إيصال لوائحه كما حصل للائحة المدعومة من النائب احمد فتفت في سير الضنية، واللائحة المدعومة من النائب خالد زهرمان في فنيدق عكار واللائحة المدعومة من النائب رياض رحال في بلدة الشيخ محمد. وبرزت عودة «الروح والاعتبار» الى نواب سنة سابقين وابرزهم: اسعد هرموش، جهاد الصمد، وجيه البعريني.
2- مني الجنرال ميشال عون بخسارة كبيرة بوجه مسيحيي 14 اذار في مدينة جبيل ومعظم قرى القضاء بعد عام على فوزه بالانتخابات النيابية للمنطقة. وفي الاشرفية (بيروت) اختار عون ان تكون معركته محصورة بلوائح المخاتير لعدم تاثير الصوت السني عليها، الا انه اخفق في الحصول على اكثرية المخاتير رغم التصويت الكامل لحزب الطاشناق الارمني للوائحه. وفي مدينة زحلة وبعد عام من خوض الجنرال انتخاباتها النيابية على «الحلوة والمرة» مع النائب السابق ايلي سكاف، قرر الاخير ان يدخل معترك البلدية منفردا، ما استدعى من عون ترشيح انطوان ابو يونس للقيام باستفتاء على شعبيته في المدينة كما قال، الا انه اخفق في ايصال مرشحه الذي لم يحصل الا على 6000 صوت من اصل 24 الف صوت.
3- لم يتوقع حزب الله وحركة امل ان يتعرضا لنكسة في بعض المناطق والبلدات الشيعية كما جرى في البرج (مسقط راس نائب الوفاء للمقاومة علي عمار) والذي حاز فيها شقيق النائب السابق باسم السبع (احد صقور 14 اذار) على اعلى نسبة اصوات لأحد المقاعد الاختيارية. وفي قضاء بعلبك ـ الهرمل (خزان المقاومة) اخفق تحالف امل ـ حزب الله من الفوز في بلدة اللبوة الاستراتيجية، كما جرى في بلدة طورا الجنوبية (مسقط رأس الامام موسى الصدر) ناهيك عن الخروقات «الكثيرة» التي حظي بها اليسار والمستقلين في بلدات جنوبية عدة.
4- حلم مسيحيي 14 اذار بانهاء زعامة النائب السابق ايلي سكاف في زحلة معتمدين على انتصارهم الكبير في الانتخابات النيابية العام الماضي سقط وتلاشى بعد استرداد سكاف المدينة بجدارة مثبتا زعامته التاريخية.
أما الاخفاق الاكبر لمسيحيي 14 اذار فتمثل بتراجع شعبيتها شمالا في البترون والكورة وزغرتا رغم تقدمها ببعض المواقع، بالاضافة الى اخفاقها في جزين وبلداتها.
5- كشفت الانتخابات البلدية تراجعا واضحا لكلمة النائب وليد جنبلاط على الشارع الدرزي بعد ان كان الالتزام في قراراته كاملا في مناطقه، وعلى سبيل المثال لا الحصر لم يستطع جنبلاط اقناع محازبيه في عين عطا تشكيل لائحة ائتلافية مع الحزب القومي السوري الامر الذي اضطره لاصدار قرار بحل فرع الحزب بالبلدة، وفي حاصبيا لم يفلح رئيس اللقاء الديموقراطي في الحفاظ على التمثيل المسيحي ما ادى الى سقوط المرشحين الثلاثة على اللائحة التوافقية وفي اقليم الخروب تراجعت الكلمة الجنبلاطية كثيرا ولم يعد «يمون» على القاعدة الشعبية التي اصبحت بكاملها في قريطم بعد ان كان جنبلاط ركنا اساسيا في المنطقة. وفي دير القمر فوجىء النائب جنبلاط بتصوت الدروز للائحة 14 اذار المدعومة من النائب دوري شمعون بعد ايعازه للمناصرين بالتصويت للتيار الوطني الحر.
مما لا شك فيه ان اللبنانيين بعثوا بالرسائل السياسية الصريحة والقاسية لكل الفرقاء، وان اراد المعنيون ان يغنوا «الدنيا حلوة الدنيا عيد» فعليهم ان يتلقفوا هذه الرسائل بإيجابية والنظر ولو لمرة واحدة الى هموم المواطن الحقيقية بعيدا عن التجاذبات والاملاءات الخارجية.