بعد السجال حول المساعدات العسكرية الأميركية والضجة حول زيارة الوفد الأميركي للحدود الشمالية، يبقى موضوع تسلح الجيش وتحديث امكانياته مدار بحث عن مصادر لتطويره، اذ يقوم وزير الدفاع الياس المر بزيارة باريس منتصف الشهر الجاري في زيارة عمل يتناول خلالها موضوع المساعدات العسكرية الفرنسية الى لبنان والتي بحثها مع نظيره الفرنسي إيرفيه موران عندما زار لبنان مؤخرا. وتبدي فرنسا استعدادها لتزويد لبنان بمروحيات حديثة من نوع «غازيل» مزودة بصواريخ يمكن للجيش ان يستخدمها في مهمات قتالية ولمواجهة حالات اضطراب وغيرها من الأعمال الارهابية. في هذا السياق، تشير مصادر وزارية الى ان فرنسا أبدت استعدادها لاسترداد مروحيات الـ «غازيل» التي يملكها الجيش وتزويد لبنان بمروحيات حديثة ومتطورة يمكن للجيش ان يستفيد منها أمنيا بحيث لا يقتصر استخدامها على نقل العناصر بل في مهمات أمنية لمواجهة حالات الاضطراب، ويكون الجيش قد عزز قدراته الجوية من ضمن خطة ترمي الى تزويده بخمسين مروحية، وبذلك تصبح القدرة الجوية للجيش في حال من الاكتفاء حاضرا.
كما وصل الى بيروت وفد عسكري روسي رفيع المستوى لبحث موضوع المساعدات العسكرية الروسية المخصصة للجيش، بعد أن طلب لبنان من روسيا استبدال طائرات «ميغ 29» العشر التي قدمتها الحكومة الروسية الى لبنان بطوافات عسكرية، بما يتلاءم مع احتياجات الجيش اللبناني وبسبب التكلفة التشغيلية العالية لهذه الطائرات مقارنة بالطوافات.
وتتوقع أوساط وزير الدفاع ان يبدأ خلال شهر يوليو المقبل وصول الدفعة الأولى من المساعدة العسكرية الروسية الى لبنان وهي عبارة عن مروحيات «ام.اي 24» تم الاتفاق عليها أثناء زيارة الرئيس ميشال سليمان الى موسكو باستبدال طائرة «الميغ 29» بست مروحيات «ام.اي. 24» وطائرات «ياك» لم يتم الاتفاق عليها بعد، على ان يتسلم لبنان المروحيات الست قبل نهاية هذا العام، وعلى ان يبحث في الطائرات الأربع من نوع «ياك».
وتمت صفقة الاستبدال هذه استنادا الى دراسة وضعتها قيادة الجيش تشير الى الكلفة العالية لصيانة الميغ وعدم التمكن من استخدامها لعدم الحاجة اليها بحيث يشكل اقتناؤها عبئا عليها، وبالتالي طالبت باستبدالها بمروحيات مجهزة بصواريخ، لأن الجيش بحاجة الى هذا النوع من السلاح الجوي الذي يمكن استخدامه نظرا للحاجة اليه في المهمات الداخلية. وأشارت المعلومات إلى أن الوفد الروسي سيبحث «التفاصيل التقنية» وكيفية تدريب الطيارين اللبنانيين على قيادتها لتنضم إلى أسطول الجو اللبناني. وبوصول الهبة الروسية سيصبح عدد طوافات الجيش اللبناني نحو 50 طوافة عسكرية من ضمنها الهبة الاماراتية التي وصل قسم منها، فيما ينتظر وصول ما تبقى قريبا.
هذه الخطوات جاءت بعد ان عكست محادثات الرئيس سعد الحريري في واشنطن تراجعا في قضية المساعدات العسكرية الأميركية للقوات المسلحة والقوى الأمنية في لبنان، ما دفع البعض الى التساؤل اذا ما بدأت الادارة الاميركية تعود تدريجيا الى مقاربتها العسكرية التقليدية لبيروت ما قبل العام 2006، حيث لم يتطرق النقاش مباشرة الى موضوع المساعدات العسكرية بل ركز على قضايا إقليمية مع الاكتفاء بالحديث عن ضرورة الاستمرار في هذه المساعدات من دون اتخاذ أي خطوات ملموسة. ولاتزال الفكرة السائدة في الإدارة الاميركية ان دعم الجيش يعني في مكان ما إيجاد توازن مع حزب الله كما يساعد على مكافحة الارهاب في المنطقة، لكن هناك اقتناعا متزايدا داخل ادارة الرئيس باراك أوباما بأن الغاية السياسية وراء تسليح الجيش التي كانت بين عام 2006 وأواسط عام 2009 لم تعد فعالة.
ويقول خبير استراتيجي اميركي «الافتراض ان تدريب الجيش وتسليحه أدى الى المزيد من الاستقرار، والتنبؤ بالبيئة الآمنة صحيح، لكن هذا ليس محركا كافيا للاستقرار في لبنان». ويرى ان الپنتاغون كان «حذرا منذ السبعينيات من منطق الانخراط في لبنان على مستوى الاستثمار عسكريا مثل إرسال قوات في الثمانينيات أو الصورة الاجمالية في التعاون والمساعدات الامنية، لأنه كان دائما هناك سؤال ماذا نحاول تحقيقه هنا».
لكن وزيرا في الوفد اللبناني الى الولايات المتحدة الاميركية قال ان المسؤولين الاميركيين لم يربطوا المواضيع ببعضها البعض بل أكدوا على مساعدة الجيش بحيث ستبدأ واشنطن مطلع العام 2011 بتزويد لبنان بمروحيات مقاتلة مزودة بصواريخ، وهذه اشارة الى سقوط حظر تزويد الجيش بسلاح ثقيل وبطائرات لتعزيز أسطوله الجوي بمروحيات يحتاجها في المهمات.
قبل ذلك كله، قام قائد الجيش العماد جان قهوجي بزيارة الى تركيا قبل أسابيع، واعتبرت أول اتصال عسكري لبناني ـ تركي على هذا المستوى الرفيع في تاريخ العلاقة بين البلدين، وأدت الى فتح آفاق تعاون عسكري وصف بـ «النوعي» على حد تعبير مصدر اطلع على تفاصيل الزيارة، من شأنه ان يفيد المؤسسة العسكرية في مجال التسلح والتدريب وتعزيز القدرات القتالية للجيش اللبناني الذي يشكو من فقر في العتاد الحربي الدفاعي الذي يحتاجه للقيام بالمهام المطلوبة منه داخليا وعلى طول الحدود اللبنانية الجنوبية.
واستنادا الى المصدر نفسه، فإن الزيارة التي تمت في ظرف سياسي ملائم، تزامنت أيضا مع تطور نوعي في الموقف التركي بحيث استطاعت أنقرة ان تعيد انتاج دور لتركيا كدولة محورية في المنطقة وترجمته عمليا من خلال الانفتاح على العالم العربي من خلال البوابتين السورية والفلسطينية، كما أبدت استعدادا للدخول على خط المساعدة السياسية للبنان كلما دعت الحاجة.
وترى مراجع مطلعة ان التعاون العسكري اللبناني ـ التركي يبرز الوجه الأمني المشترك ويؤشر الى تنسيق أمني بين البلدين، لاسيما مع وجود ملفات مشتركة مثل الملف الكردي وملف المخيمات الفلسطينية، الى ملف الصراع العربي ـ الاسرائيلي وموقع المقاومة ودورها في ظل المواقف المميزة التي اتخذها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان حيال اسرائيل والتي جعلت الدور التركي في الدول العربية والاسلامية يتنامى.
وتشير المعلومات المتوافرة في هذا السياق الى ان زيارة العماد قهوجي تجاوزت الاطار التعاوني مع أركان الجيش التركي، الى البحث في مجالات التعاون العسكري التسليحي، لاسيما ان الجيش التركي يملك معدات وتجهيزات مماثلة لتلك التي يستعملها الجيش اللبناني، خصوصا في مجال تطوير السلاح القديم الذي مازال صالحا للاستعمال، وفي مخازن الجيش التركي كميات كبيرة تفيض عن حاجة هذا الجيش اليها، ويمكن بالتالي افادة لبنان منها. اضافة الى ذلك، فإن في تركيا صناعات عسكرية عالية الجودة مثل الرادارات وغيرها من التجهيزات التي يحتاجها الجيش اللبناني، فضلا عن دورات التدريب والتسليح.
وقد أبدى الجانب التركي استعدادات لتلبية حاجات الجيش الى معدات محددة يتم البحث في تفاصيلها تمهيدا لإعداد جردة مفصلة، لاسيما ان الأسعار تتدنى عن تلك التي تطلبها الدول الأوروبية والولايات المتحدة الاميركية لتسليح الجيش، علما ان ما تقدمه اميركا للجيش ينحصر في العتاد العسكري غير الحربي مثل السيارات والآليات والشاحنات وناقلات الجند.