إذا كان الرئيس سعد الحريري بصفاته الـ 3، ولي الدم وابن الرئيس الشهيد رفيق الحريري، والزعيم السني الأول، ورئيس حكومة لبنان، هو المعني الأول بمواقف السيد حسن نصرالله المتلاحقة التي توجت في «مؤتمر اتهام إسرائيل»، فإن رد الفعل الصادر عن «كتلة المستقبل» هو الذي يعتد به أكثر من غيره ويكتسب صفة الموقف الرسمي.
وقد جاءت صياغته دقيقة ومدروسة. فالكتلة ضمنت بيانها إشارة إيجابية إلى مؤتمر نصرالله، ولكن من دون ان تسميه بالاسم وبطريقة غير مباشرة بأن «رحبت بكل جهد يسهم في كشف المجرمين الذين ارتكبوا أو وقفوا خلف اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ورأت ضرورة استنفاد كل الفرضيات عن الجهة التي يمكن ان تكون ارتكبت أو وقفت وراء هذه الجريمة الكبرى» (في إشارة الى فرضية إسرائيل). ولكن بيان كتلة المستقبل خلص الى الموقف الفعلي وهو تجديد الثقة بالمحكمة الدولية واعتبارها «الجهة الصالحة والمخولة بالتحقيق والملاحقة والبحث عن الأدلة»، داعية السيد نصرالله الى تقديم ما عرضه الى المدعي العام للمحكمة (بلمار)، مع العلم ان نصرالله كان في مؤتمره رفض وضع هذه «القرائن» في يد المحكمة التي قال انه لا يثق بها وبمسارها.
إذا كانت كتلة المستقبل احتفظت بموقفها المتمسك بالمحكمة ولكن بصياغة مرنة ولبقة، فإن رد فعل القوى السياسية الحليفة في 14 آذار غلب عليه الحذر والتشكيك ما خلا إشارتين إيجابيتين على هامش المؤتمر وخارج سياق ما هدف إليه: الأولى تشيد بالتزام حزب الله التهدئة تحت السقف العربي والمبادرة السعودية ـ السورية، وحرص نصرالله في مؤتمره على عدم إثارة توترات داخلية وانخراطه في جهود ومساعي التهدئة وعملية البحث عن مخارج. والثانية تتعلق بالتقدم الذي أظهره حزب الله في امتلاكه لقدرات تقنية لوجستية استخباراتية وبلوغه مرحلة متقدمة في هذا المجال.
ما خلا هاتين الإشارتين، فإن ردود فعل قوى 14 آذار التي تجمعت في شكل «عاصفة سياسية» احتوت الكثير من الشكوك والتحفظ لجهة:
ـ عدم ارتباط القرائن المقدمة بصورة مباشرة بعملية اغتيال الحريري. والأشرطة المعروضة لم تصور معالم معينة يمكن الجزم بأنها استخدمت للتحضير لاغتيال الحريري، وبالتالي فإن الربط بينها وبين الجريمة ضعيف جدا.
ـ ضرورة إظهار الارتباط بين الصور التي عرضت وبين التفجير الذي حصل في 14 فبراير 2005. وما عرض من صور جوية لموقع الجريمة وللطرقات التي كان يسلكها الحريري لا يشكل دليلا كافيا إلا اذا توافر الرابط بين الصور والتفجير، وبالتالي لا يمكن بناء استنتاجات نظرية على أدلة لا يتأكد منها هذا الارتباط المباشر بين السبب والنتيجة.
ـ القرائن التي عرضت ليست من النوع المقنع غير القابل للشك، وجزء كبير من المعطيات غير موثوق في مصدره.
كما رسمت ردود الفعل تساؤلات وعلامات استفهام ومن بينها:
اذا اكتشفت إسرائيل خرق حزب الله لتصوير طائراتها وشفرات صورها ومعلوماتها منذ 1997 فمن أين لحزب الله هذه الصور؟ هل هي تعود الى ما قبل 1997 في معظمها؟ وكيف حصل على صورة طلعة يسوع الملك الحديثة؟
ـ كيف تمكن الحزب من معرفة وجود العميل غسان الجد قبل يوم في مكان وقوع الانفجار في السان جورج؟
ـ لماذا تجاهل مراقبة الإسرائيليين لرفيق الحريري؟ كيف اشتم انزالا في انصارية وتجاهل اغتيالا في السان جورج؟
ـ من أين حصل على كل هذه المعلومات، لماذا لم يقدمها في حينه للدولة وللمحكمة الدولية ليبنى على الشيء مقتضاه؟
ـ لماذا لم يقدم الحزب أدلته سابقا، ولماذا يصر الآن على تقديمها إلى لجنة لبنانية بدلا من التعاون مع المحكمة الدولية؟
بالإجمال، فإن ردة فعل 14 آذار على مؤتمر السيد حسن نصرالله أظهرت ان موقفها من موضوع المحكمة الدولية مازال يتمحور حول 3 نقاط: انتظار القرار الظني ليبنى على الشيء مقتضاه، والثقة بالمحكمة كجهة ومرجعية وحيدة للوصول الى الحقيقة والعدالة ولتلقي كل المعطيات والقرائن ورفض منهج حزب الله الرامي الى إلغاء المحكمة أو الى توجيهها وفق رؤيته وقناعاته.