عندما أدلى الرئيس سعد الحريري بحديثه الشهير الى «الشرق الأوسط» قبل أيام، اهتم حزب الله بمعرفة الظروف والملابسات السياسية لما أعلنه بشأن العودة عن الاتهام السياسي لسورية والاعتراف بوجود «شهود الزور» الذين أساؤوا للعلاقة معها، وما اذا كان الموقف الجديد للحريري حيال دمشق له علاقة بالتفاهمات السورية السعودية وبخطوات متفق عليها لترسيخ الثقة والتعاون بين الحريري ودمشق، وما اذا كان لهذا التحول ان يؤسس لحقبة جديدة سواء على الصعيد الداخلي أو على الصعيد الاقليمي.
وعندما فتح اللواء جميل السيد ناره السياسية بغزارة وعنف على الرئيس سعد الحريري وفريقه وبيئته الحاضنة لـ «شركاء شهود الزور»، اهتم الحريري وفريقه بمعرفة الظروف والملابسات السياسية لما أعلنه السيد، وما اذا كان يعبر عن موقف شخصي أم يعكس على طريقته أجواء وموقف دمشق التي كان فيها قبل أيام وعقد لقاء مطولا مع الرئيس بشار الأسد.
يحاول تيار المستقبل وفريق 14 آذار عموما الذي استعاد تماسكه بعد صدمة «الاعتراف المزدوج» ان يتفهم خطوة الحريري حيال سورية ويبدي استعدادا للتكيف مع المرحلة الجديدة ومتطلباتها، ولكن هذا الفريق مصدوم بردة الفعل على موقف الحريري رغم ما احتواه من تنازلات وباشتداد الهجوم السياسي عليه من حزب الله وحلفائه من دون ان تحرك دمشق ساكنا، وتسود فريق 14 آذار خيبة من التعاطي مع مواقف الحريري في وقت كان من المنتظر والمفترض ان تتم ملاقاته في منتصف الطريق، وهذا الانطباع موجود أيضا عند النائب وليد جنبلاط الذي يستغرب كل هذه «الحملة الشعواء على الرئيس الحريري الذي قام بخطوات مهمة في اطار المراجعة السياسية التي تستوجب الدعم والثناء والترحيب والتشجيع بدل التهجم والضغط والتهديد» كما قال.
الاستغراب و«الاستنكار» في صفوف 14 آذار والحليف السابق جنبلاط مردهما الى سببين مباشرين:
- الأول: هو عدم تقدير أهمية ما قاله وقدمه الرئيس الحريري بإعطائه «صك البراءة السياسية» الى سورية متوجا عملية التحولات التي باشرها منذ عام وأملتها المصالح التي لا تعترف بمواقف سياسة وخصومات ثابتة، ومع اصرار الحريري على فتح صفحة جديدة في علاقته بالقيادة السورية وعدم العودة الى الوراء، وقيامه بخطوات متقدمة على طريق تعزيز الدور السوري في لبنان وتوسيع أفق مساره العام، فإن دمشق باتت تقف أمام معطيات جديدة لا يمكن تجاهلها كما لا يمكن مسايرة المتضررين منها، كما تقف أمام مرحلة جديدة تحتم عليها تكريس نمط جديد من التوازنات الداخلية والانفتاح على كل القوى في لبنان وفي مقدمهم الرئيس سعد الحريري، فلا هي على استعداد لإعادة عقارب الساعة الى الوراء في علاقتها المتجددة مع الطائفة السنية في لبنان عبر سعد الحريري الزعيم الأول في طائفته، وليس من مصلحتها التخلي عن ظهير عربي قوي مثل السعودية أو المجازفة بالتغاضي عن فتنة مذهبية في لبنان بعدما كانت زجت بقواتها في هذا البلد إبان حروبه خوفا من انتقال نيرانه اليها.
- الثاني: الحملة المضادة «السلبية» التي قوبلت بها مواقف الحريري من قوى المعارضة بالاجمال وأدت الى تعطيل المفاعيل الايجابية لهذه المواقف، وأبرز ما في هذه الحملة التي ظهرت في أوضح أشكالها وأكثرها حدة مع اللواء جميل السيد، ان حزب الله لم يعترض على مواقف السيد وانما يكاد يتبناها بعدما كان السباق الى طرح مسألة شهود الزور، وان هذه الحملة لا تكتفي بملف شهود الزور وانما تتوسع في اتجاه فتح ملف حقبة السنوات الخمس الماضية بصفتها «حقبة انقلابية»، وفي اتجاه محاكمة حقبة الرئيس رفيق الحريري بمفعول رجعي منذ التسعينيات، والأهم من كل ذلك ان الحملة تتجه وفق منهجية متبعة الى الغاء المحكمة الدولية ونسف التحقيق الدولي والأساس الذي بنيت عليه.
السؤال المطروح في هذه الأوساط يتمحور حول «الخطوة التالية للحريري»، هل ستكون في اتجاه التزام واستكمال المسار الذي بدأه عبر صحيفة «الشرق الأوسط»، أم سيكون في اتجاه تصويب المسار و«فرملته» واجراء عملية اعادة تموضع تفرضها ظروف ومعطيات خاصة لها علاقة بموقعه كرئيس حكومة وزعيم سني وزعيم الأكثرية النيابية طالما جنبلاط مازال متضامنا معه؟!
والسؤال الذي يوازيه وربما يكون أكثر إلحاحا: ماذا عن موقف دمشق، وهل تبادر الى ملاقاة الحريري في منتصف الطريق وتأخذ بيده لتشجيعه، أم تطلب وتنتظر المزيد من «الأفعال» قبل ان تقدم على ذلك؟!