لم يسبق ان ارتفع القلق الدولي والعربي على الوضع في لبنان الى هذا «المنسوب» منذ العام 2005، كما لم يسبق ان بلغ الوضع اللبناني هذا المستوى من التوتر والشحن السياسي والطائفي الى حد انه بات يتمتع بجهوزية الاشتعال في أي لحظة وبات شبح الفتنة والاقتتال الداخلي يخيم على الأجواء. وهناك انطباع عام بأن الوضع صعب ومعقد جدا وعناصره الداخلية متداخلة مع أزمات وملفات المنطقة.
ولكن رغم هذه «الصورة القاتمة والغيوم الملبدة»، مازالت هناك نافذة ضوء مفتوحة على الحلول والمخارج الصعبة والمكلفة لأنها من النوع الذي يتطلب أثمانا وتنازلات. ومازال هناك متسع من الوقت الذي ينفد بسرعة والأوان لم يفت بعد. وثمة مؤشرات عدة تدل الى ذلك بداية من استمرار التواصل السوري ـ السعودي، الى وضع «اليد السورية» مباشرة على الأزمة والوضع، الى الحركة السعودية الناشطة في اتجاه كل الأطراف اللبنانية في عملية البحث عن مخرج للأزمة، الى عملية التهدئة والاحتواء وتدوير الزوايا التي يتولاها الرئيس ميشال سليمان في مجلس الوزراء بما يحول دون انفجار الحكومة من الداخل، الى الجهود المنسقة بين بري وجنبلاط لإبقاء خيط تواصل بين الحريري وحزب الله، الى عملية التكيف والتأقلم مع مذكرات التوقيف السورية التي بدأها جنبلاط بإعلانه ان لا مشكلة فيها مذكرا بأن مذكرة توقيف كانت صدرت بحقه وتم تجاوزها، وينخرط بها الرئيس الحريري الذي يمارس سياسة فصل بين هذه المذكرات وعلاقته مع دمشق مذكرا بأن استنابات قضائية كانت صدرت عشية زيارته الأولى الى دمشق ولم تؤثر في هذه الزيارة التي حصلت بعد 4 سنوات من القطيعة.
عملية التنقيب عن حلول ومخارج لأزمة المحكمة هي عملية «محلية» وألقيت مهمة نسج خيوطها على عاتق الأطراف اللبنانيين، وهذه مهمة صعبة مع وجود هوة واسعة تفصل بين موقفي حزب الله وتيار المستقبل وتقلص المساحة المشتركة الى حد لا يكفي لصياغة تسوية في موضوع المحكمة الدولية.
وأما أبرز الأفكار والمقترحات المطروحة بشأن كيفية الخروج من الأزمة الراهنة فهي:
1- ان يبادر الرئيس سعد الحريري وهو الطرف الداخلي المعني أكثر من غيره بهذه القضية والأكثر قدرة على التأثير في مجرياتها، بصفته رئيس حكومة الوحدة الوطنية وزعيم السنة في لبنان وابن رفيق الحريري وولي الدم، الى خطوات ومواقف تسحب فتيل التفجير. وهذه الخطوات حددت للحريري في النقاط التالية:
- ان يعلن من الآن رفض أي قرار ظني يتهم حزب الله باغتيال الرئيس رفيق الحريري.
- ان يوجه اتهاما سياسيا الى اسرائيل ويدعو الى ان يأخذ التحقيق الدولي بالاعتبار «قرائن» حزب الله.
- ان يحرك عمليا ملف شهود الزور عبر اجراءات يباشرها القضاء اللبناني لملاحقة ومحاسبة هؤلاء ومن يقف وراءهم.
هذه الخطوات المطلوبة من الحريري قبل صدور القرار الظني لا تندرج في اطار «حلول الأزمة» بقدر ما يصح اعتبارها مقترحات حلول من طرف واحد طالما ان موقف الحريري ثابت في انتظار صدور القرار الظني وعدم أخذ أي موقف منه مسبقا، وفي عدم المساومة على المحكمة الدولية.
2- ان تقوم الحكومة اللبنانية باتخاذ قرارات واجراءات تسقط بموجبها الموجبات والجوانب اللبنانية في المحكمة الدولية: وقف التمويل، سحب القضاة اللبنانيين، عدم التعاون مع التحقيق الدولي.
3- اذا كان الرئيس الحريري يواجه صعوبة واحراجا في السير في هذا الاتجاه، أي اتجاه اسقاط المحكمة الدولية والتخلص منها، ينسحب من الحكم افساحا في المجال أمام تشكيل حكومة انتقالية تكون مهمتها الرئيسية «المحكمة الدولية» ولا تكون حكومة غالب ومغلوب، ويكون المستقبل وحزب الله خارجها ولكنها بالوزن السياسي تكون أول.
حكومة بعد الخروج السوري من لبنان مشابهة لحكومات ما قبل العام 2005.
4- إحالة موضوع المحكمة الدولية الى حوار داخلي لبناني، الى طاولة مجلس الوزراء أو الى طاولة الحوار الوطني على الأرجح في جلســة استثنائية أو أكثر لأن الخطر استثنائي على الاستقــرار والسلم الأهلي والوحدة الوطنية.
ويكون جدول أعمال هذه الجلسة بندا واحدا: المحكمة الدولية. والبحث يدور حول نقطة محورية وأساسية هي وضع خطة «وطنية» (سياسية أمنية قضائية اعلامية) لمواجهة أي قرار ظني يمكن ان يصدر عن مدعي عام المحكمــة الــدولية وفيه اتهام لحزب اللــه وتحــديد كيفية التعاطي مع قرار كهذا.