الكل في لبنان يهتم بتقصي الحقائق والمعلومات حول زيارتين سريعتين ومهمتين: زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى الرياض وزيارة مساعد وزيرة الخارجية الأميركية جيفري فيلتمان الى بيروت، رئيس الحكومة سعد الحريري الذي التقى فيلتمان في الرياض اطلع من القيادة السعودية على نتائج لقاء خادم الحرمين مع الأسد، قيادة حزب الله وحركة أمل تواصلتا مع دمشق (عبر زيارة لـ «الخليلين») للوقوف على نتائج هذا اللقاء، النائب محمد رعد زار قصر بعبدا للاطلاع من الرئيس ميشال سليمان على ما حمله فيلتمان ولإكمال الصورة والمعطيات التي قدمها النائب وليد جنبلاط الى السيد حسن نصرالله.
ولا يبقى إلا اطلاع الرئيس ميشال سليمان على نتائج قمة الرياض بزيارة له الى دمشق للتأكد ما اذا كانت الأمور تتجه فعلا الى التهدئة والى تعويم وتفعيل نتائج القمة الثلاثية التي انعقدت في قصر بعبدا قبل شهرين، والى ان تتبلور بشكل خاص نتائج لقاء الأسد ـ خادم الحرمين واتجاهات الوضع والخطوات التالية،
يجدر التوقف عند المعطيات والتطورات التالية:
1- لم يحدث أي اختراق على صعيد العلاقة المتوقفة بين دمشق والحريري، فاللقاء الذي كان يأمله الحريري مع الاسد خلال وجودهما في الرياض لم يحصل، والرغبة السعودية في استئناف التواصل المباشر بين الحريري والاسد لم تلق ردا ايجابيا، أو بتعبير آخر لقيت استجابة مشروطة من دمشق التي مازالت تعتبر ان على الحريري اكمال ما بدأه في موقفه لـ «الشرق الأوسط» بخطوات عملية، وانه حتى الآن لم يفعل أي شيء من أجل استرداد الثقة السورية به ولم يبادر الى خطوات تؤكد استعداده المضي قدما إلى الأمام في بناء علاقة جديدة مع سورية وتلبية متطلبات هذه العلاقة.
2- الجهود المنسقة بين الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط لإحداث اختراق في جدار العلاقة بين الرئيس الحريري والسيد حسن نصرالله حققت نجاحا جزئيا وغير كاف، مادام اللقاء بين الحريري ونصرالله مستبعدا والبديل عنه لقاء بين الحريري والحاج حسين خليل يريده حزب الله لقاء «جس نبض واستكشاف» استعدادات الحريري للانخراط في عملية الخروج من أزمة المحكمة الدولية، فإذا ما أظهر الحريري مواقف جديدة ومتقدمة وتوافرت أرضية سياسية مشتركة، انعقد لقاء نصرالله ـ الحريري ليكون اللقاء تكريس الاتفاق واعلانه، وحتى الآن لم تظهر مؤشرات واضحة في هذا الاتجاه.
3- اتصالات ربع الساعة الأخير الفاصل عن جلسة مجلس الوزراء (اليوم) ستحدد ما اذا كانت هذه الجلسة حاسمة ومفصلية في تحديد اتجاه الأمور بدءا من بت ملف شهود الزور وتحويله من ملف سياسي «سجالي» الى ملف قضائي بآليات عملية ومسار محدد، أم ان هذه الجلسة لن تكون «الحاسمة» وبالتالي يبقى المجال مفتوحا لمزيد من الاتصالات ومحاولات الوصول الى توافق وتفادي الوصول الى «التصويت» أي الى تفجير الوضع الحكومي.
4- الرئيس سعد الحريري يبدي مرونة واستعدادا لإنتاج تسوية ولكنه يدعو الى مراعاة وضعه وموقفه في ناحيتين: ان كل التسويات تبحث تحت سقف المحكمة الدولية التي يرفض مبدأ الغائها والتخلي عنها وقد أصبحت واقعا دوليا وخرجت من يد الجميع، وان التسوية لا تعني دعوته الى الاستسلام أو الانتحار السياسي، وبالتالي فإنه حساس جدا تجاه الضغوط التي تمـارس عليه وتهدف الى اضعــافه وتطويقه سياسيا وشعبيا.
5- حزب الله وحلفاؤه الذين فوضوا الى الرئيس بري ادارة معركة شهود الزور في مجلس الوزراء يبدون أيضا مرونة واستعدادا للتعاطي في هذا الملف تحت سقف احالته الى القضاء اللبناني، وبما يؤدي الى توقف عملية صدور القرار الظني أو استئخار صدوره لأجل غير مسمى، وفي الواقع، فإن السباق الدائر ليس فقط سباقا مع الوقت، وانما سباق بين منطقين وتوجهين: منطق من يريد بت الأمور وحسم الموقف قبل صدور القرار الظني، فلا يعود لصدوره قيمة وتأثير، ومنطق من يريد التعامل مع مرحلة ما بعد صدور القرار الظني وفي اتجاه الغاء مفاعيله السلبية وأخطاره ان وجدت.