بيروت: شهدت الحدود اللبنانية ـ السورية حدثا أمنيا مهما وخطيرا لم يأخذ حقه في التغطية والمتابعة لأنه تزامن مع أحداث كبيرة في المنطقة طغت وحجبت ما عداها من أحداث تعد فرعية وتدرج في خانة التفاصيل.
في الوقت الذي كان الجميع منشغلا بخلفيات وارتدادات عملية القنيطرة والغارة الإسرائيلية التي استهدفت قياديين من حزب الله والحرس الثوري الإيراني.
الحادث الأمني تمثل في وقوع مواجهة عنيفة بين مجموعات مسلحة قادمة من سورية والجيش اللبناني في جرود رأس بعلبك.
المواجهة هي الثانية من نوعها وعنفها بعد معركة جرود عرسال في اغسطس الماضي.
وجرود رأس بعلبك هي الأكبر، بعد جرود عرسال، في منطقة البقاع الشمالي وتمتد بمساحة 23 هكتارا تقريبا بطول يصل الى نحو 16 كيلومترا باتجاه الحدود مع منطقة قارة السورية.
في الوقائع أولا: عنصر المباغتة والمفاجأة كان حاضرا في معركة رأس بعلبك كما في معركة عرسال، ولكن ما اختلف بين المعركتين هو كالتالي:
1- ان تنظيم «داعش» هو الذي قاد الهجوم هذه المرة في أول عملية هجومية ضد الجيش اللبناني وأول توغل له في الأراضي اللبنانية، بعدما كانت العمليات السابقة تقوم بها «جبهة النصرة» حصرا.
وهذا مؤشر عملي ميداني الى تعاظم نفوذ وسيطرة «داعش» في القلمون والى اكتمال جهوزيتها للانتقال الى مرحلة الهجوم في اتجاه الحدود اللبنانية لاختراقها.
2- ان الجيش اللبناني أثبت صمودا ودفاعا مستميتا عن تلة الحمرا لوجود قرار لديه بعدم تكرار واقعة عرسال أيا تكن الظروف والتضحيات.
ونجح الجيش رغم خسارته الموجعة التي كلفته 8 قتلى بينهم ضابط في احتواء الهجوم وإيقاع عدد كبير من الإصابات في صفوف المهاجمين بينهم قادة ميدانيون، واستعادة السيطرة على تلة الحمرا وإفشال هدف أساسي من أهداف الهجوم وهو خطف المزيد من عناصر الجيش اللبناني.
ثانيا: أهداف الهجوم على تلة الحمرا يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
٭ محاولة فتح ثغرات في الجدار اللبناني الحدودي عبر هجمات مباغتة في نقاط معينة لتأمين معابر وخطوط آمنة وتخفيف الضغط الناجم عن عوامل عسكرية ومناخية...
وبالتالي فإن الهجوم هدف مباشرة الى فتح ثغرة ضمن السلسلة الشرقية بعدما انقطعت طريق عرسال نهائيا نحو المنطقة الجردية.
٭ مهاجمة مراكز الجيش في تلة الحمرا التي لها أهمية استراتيجية لأنها تحمي تلة أم خالد التي تضم عددا من المراكز المهمة للجيش، ولأنها تعتمد كمركز رصد ومراقبة متقدم للجيش في تعقب حركة الإرهابيين.
وبحسب مصادر مطلعة في رأس بعلبك فإن استماتة المهاجمين لاحتلال «تلة الحمرا» في البلدة المشار إليها، ليست عبثية بل محسوبة النتائج، لكون التلة موقعا استراتيجيا يتمركز فيه الجيش اللبناني ويشرف من خلاله على كل التحركات من الجانبين اللبناني والسوري وبسقوط تلة الحمرا ستسقط حكما وتلقائيا ثكنة الجيش القريبة منها، بحيث يصبح البقاع الشمالي تحت مرمى نيرانهم، ما يسهل عليهم الوصول الى السهل، حيث المواجهة المباشرة مع الهرمل، وذلك في محاولة لقطع الامداد العسكري لحزب الله المسيطر على القصير السورية تمهيدا لاستعادتها.
ثالثا في التوقيت: إذا وضعنا التوقيت الإقليمي جانبا فإن هذه العملية لها صلة بتطورات داخلية وجاءت بعد:
٭ زيارة قائد الجيش العماد جان قهوجي الى منطقة البقاع الشمالي متفقدا الوحدات ومعلنا الاستعداد التام للمواجهة.
٭ عملية سجن رومية التي انتهت الى إلغاء الوضع الشاذ وما كان يحتويه من امتيازات وأوضاع مريحة للإسلاميين.
٭ إنجازات أحرزها الجيش اللبناني في تعقب وتوقيف وتفكيك الخلايا والجماعات الإرهابية (في وادي حميد وفي عرسال، إضافة الى ما حصل في طرابلس والشمال).
أما نتائج معركة تلة الحمرا فتختصر بـ:
٭ تعزيز خطوط الجبهة في جرود رأس بعلبك عدة وعديدا.
٭ تشديد الإجراءات العسكرية الأمنية بين عرسال وجرودها.
٭ رفع مستوى الدعم المالي والسياسي للجيش من قبل الحكومة.
٭ تسريع وتيرة وصول السلاح الأميركي النوعي الى الجيش، ولاسيما الطوفات والصواريخ.