مرت جلسة مجلس الوزراء على خير. هذا لا يعني أن المشكلة حلت وإنما تم تأجيلها إفساحا في المجال أمام اتصالات ربع الساعة الأخير وتفاديا لحصول انهيار حكومي لا يريده من حيث المبدأ أي طرف وليس في مصلحة أحد...
ما حصل عمليا أن حزب الله والعماد عون وضعا الكرة في ملعب تيار المستقبل ورئيسه سعد الحريري في موضوعي عرسال والتعيينات الأمنية، وأن بري وجنبلاط أدارا محركاتهما السياسية لإيجاد مخارج وتسويات.
فكان أن جرى تعليق الخلاف وتأجيله الى جلسة أو أكثر الأسبوع المقبل لتكون هذه المهلة الزمنية بمثابة فسحة تأمل ومراجعة حسابات لدى الحريري الذي يواجه فعلا مسألة تحديد خياره الحكومي: هل يريد بقاء الحكومة واستمرارها أم لا؟ فإذا كان مازال متمسكا بالحكومة ومهتما لأمرها هناك ثمن سياسي يتوجب عليه دفعه بالمقابل في موضوعي عرسال والتعيينات وأبرز ما فيها تعيين العميد شامل روكز قائدا للجيش...
كان من المفترض أن يطرح الوزير نهاد المشنوق في الجلسة الماضية ملف قوى الأمن الداخلي بما في ذلك رزمة التعيينات في المديرية العامة لقوى الأمن.
فقد سبق للمشنوق أن أبلغ العماد عون عندما التقاه بالرابية بهذا التوجه، واستنادا الى تصور أعده وناقشه مع الرئيس الحريري في الرياض بعد لقائه عون.
وأفادت معلومات بأن تصور المشنوق ينطلق من الفصل بين تعيينات قوى الأمن وتعيينات الجيش مقترحا «سلة» تشمل الى المدير العام لقوى الأمن (المشنوق يفكر في العمداء عماد عثمان وسمير شحادة وأحمد الحجار) رؤساء الوحدات التي شغرت بتقاعد القيمين عليها وبما تؤدي الى إعادة تركيب مجلس قيادة قوى الأمن المشلول حاليا.
لم يوافق عون على مشروع المشنوق متمسكا بعدم الفصل بين التعيينات الأمنية والعسكرية وأن يكون تعيين مدير عام قوى الأمن متلازما مع تعيين قائد للجيش.
بسبب رفض عون وتضامن حزب الله معه، مع ما يؤدي إليه ذلك من تعريض الحكومة لخطر السقوط وتحويلها الى «حكومة تصريف أعمال»، فإن جلسة الأمس توقفت عند حدود معينة وتميزت بأجواء هادئة بعدما كانت سبقتها اتصالات ومداخلات سياسية أبرزها تلك التي قام بها جنبلاط باتجاه الحريري ناصحا إياه بالموافقة على تعيين روكز قائدا للجيش لتفادي أزمة حكومية وسياسية ليس وقتها الآن.
لم يكن رد الحريري على جنبلاط سلبا ولا إيجابا وإنما طلب مهلة للتفكير في الأمر واتخاذ القرار المناسب.
بانتظار قرار الحريري، فإن جلسة مجلس الوزراء المقبلة التي يخلو جدول أعمالها من أي بنود ويتصدرها موضوع التعيينات، ستشهد واحدا من هذه السيناريوهات والاحتمالات:
1 - خيار أو احتمال التعيين: أي تعيين مدير عام جديد لقوى الأمن الداخلي يكون على الأرجح العميد عماد عثمان وتعيين قائد جديد للجيش هو العميد شامل روكز.
وهذا الاحتمال ارتفعت نسبته وإذا حصل يكون ترجمة لاتفاق قال عون إنه توصل إليه مع الحريري في لقاء بيت الوسط فبراير الماضي، وقال الحريري إنه لم يتعهد بهذه المقايضة وإنما ربط تعيين روكز بنتائج جولة عون على القيادات السياسية وخصوصا بري وجنبلاط.
2 - خيار أو احتمال التمديد: فإذا لم يحصل اتفاق سياسي على «التعيينات» يلجأ الوزير المشنوق الى تأجيل تسريح اللواء ابراهيم بصبوص ستة أشهر على أمل الاتفاق على انتخاب رئيس جديد للجمهورية يصار بعده الى تعيين قادة جدد للقوى العسكرية.
3 - خيار أو احتمال «اللاتعيين واللاتمديد»: أي الحل الوسط الذي لا يرضي عون ولكن لا يغضبه الى الحد الذي يدفعه الى تعطيل الحكومة.
وفي هذه الحال يتم تكليف الضابط الأقدم رتبة بتولي مهام المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي وهو العميد إميل كيوان (ماروني)..
المفارقة أن موضوع التعيينات يتقدم على موضوع عرسال لدرجة يمكن القول إن المعركة الدائرة داخل الحكومة هي «معركة التعيينات»، أما «معركة عرسال» فإن لها ظروفها وحيثياتها. وأما القاسم المشترك بين المعركتين فهو أن الكرة في ملعب الحريري والكل ينتظر قراره.
ما يريده حزب الله من الحريري في موضوع عرسال هو المساهمة في صدور القرار السياسي عن مجلس الوزراء الذي يفوض الجيش اللبناني في عرسال ويدعمه في معركة استعادة هذه البلدة المحتلة و«الرهينة».
حزب الله يفصل بين جرود عرسال التي يأخذها على عاتقه وبلدة عرسال التي يضعها في عهدة الجيش وتحت مسؤوليته ويفضل عدم التدخل فيها لأنه يريد تفادي حساسيات مذهبية مع السنة والمستقبل، وأيضا تفادي إشكالات وحساسيات على الأرض مع الجيش. وفي هذه الحال يصبح قرار مجلس الوزراء بتكليف الجيش مهمة استعادة عرسال أكثر من ضروري بالنسبة لحزب الله حصرا للتداعيات والمفاجآت، وحتى لا يخرج الوضع عن السيطرة.
إذا كان اقتحام موضوعي التعيينات وعرسال قاعة مجلس الوزراء من خارج جدول الأعمال العادي، يدل الى احتدام الأزمة السياسية وارتفاع درجة التوتر والتأزم، فإن النقطة المضيئة في هذه الصورة القاتمة أن الحكومة مازالت حاجة ومطلبا، وأن هناك رغبة عامة في عدم تفجير الحكومة ودفع الوضع من حافة الهاوية الى الهاوية والانتقال من أزمة تعيينات وحكومة الى أزمة نظام وصولا الى طرح مجمل النظام السياسي على بساط البحث.
لعل هذا الإدراك لخطورة الوضع، وهذا التهيب للموقف، هو الذي قلب جلسة الأمس من مشروع مشكلة صاخبة الى جلسة هادئة.
وعلى أمل ألا يكون «هدوء ما قبل العاصفة».