بيروت: يرى محلل سياسي استراتيجي في بيروت ان قراءة الوضع السياسي الراهن في لبنان، بما استقر عليه من ترتيبات وما بلغه من تسويات، توحي في ظاهرها بخلاصات تغلب عليها مؤشرات الانفراج ودلالات التفاؤل.
بيد ان تقويما اكثر واقعية لما انتهى إليه الوضع في لبنان وما يمكن ان تشهده المرحلة المقبلة من تطورات وأحداث لابد من أن يؤدي الى خلاصات مغايرة تطرح كما من علامات الاستفهام المتصلة بمستقبل الاستقرار والانفراج الداخلي.
ولعل أكثر ما يفرض هذه الاستنتاجات المعاكسة يتأتى في جانب منه من مشهد التطورات المتسارعة في النطاقين الاقليمي والدولي، وهي التي تبقى ذات التأثير الابلغ في تكوين اتجاهات الداخل استقرارا أو تأزيما.
ويتأتى في جانب آخر من مجموعة التحولات البارزة التي طرأت على البنية السياسية بفعل تطورات الاحداث التي توالت منذ ما بعد الانتخابات النيابية في صيف 2009 وحتى نهاية السنة الماضية، والتي تركت بصماتها الواضحة في تكوين مشهد داخلي مختلف جذريا عما كان عليه خلال السنوات الماضية، وفي انتاج واقع جديد يحمل في سماته الاساسية ثلاث علامات فارقة:
ـ الأولى، الانهيار الموجع الذي أصاب حركة 14 آذار بعد سلسلة الانتكاسات والحسابات الخاطئة التي انتهت بضربتين قاسيتين: تفكك جبهتها السياسية وتشرذم مكوناتها الرئيسة بعد التحولات الدراماتيكية لعدد من أركانها تحت عناوين ودوافع مختلفة، وعجزها من جهة ثانية عن ترجمة الانتصار الذي حازته عبر الانتخابات النيابية نتائج عملية على المستوى السياسي، وتظهير التفويض الشعبي الواسع المعطى لها في صياغة منظومة الحكم وبرنامجها، وبعدما أدى تغليب الحسابات الخاصة والمصالح الذاتية على الاعتبارات المبدئية وتوجهات القواعد الشعبية، الى إعطاء فوز واضح لقوى المعارضة والسماح لها بفرض ارادتها السياسية في عملية بناء السلطة شكلا ومضمونا.
ـ الثانية، ترسيخ حضور حزب الله بتوجهاته السياسية وترسانته المسلحة ومنظومته الأمنية، واقعا نهائيا يمتلك الى جانب قدراته العسكرية الهائلة وإمكاناته المادية الواسعة وأيديولوجيته الدينية الثورية، صفة الديمومة والاستمرار غير المحددة بسقوف زمنية أو بأهداف واضحة، وصفة الشرعية الكاملة التي يستمدها من بيان لحكومة الاكثرية الشعبية التي تقف على طرف نقيض من مشروع «الحزب».
وفي جوانب هذه العلامة الفارقة ما يرتقي بمكانة حزب الله من حال «المقاومة» المطروح مناقشتها على طاولة الحوار الوطني على قاعدة تحديد المسؤوليات والاهداف والوسائل، الى وضعية الشريك.
ـ الثالثة، عودة نفوذ سورية الى لبنان بعد اقل من خمس سنوات على خروج قواتها العسكرية منه، على وقع جملة من التطورات الداخلية والخارجية التي يأتي في مقدمتها على المستوى الداخلي انهيار الجبهة السياسية المناهضة لها بالتزامن مع تحولات حادة في مواقف عدد من رموز ثورة الأرز التي كانت تقف في المعسكر الممانع لها، وفي موازاة تقدم مدو للقوى التي تدور في فلكها، وعلى المستوى الخارجي تراجع الاندفاعة الاميركية الغربية المؤازرة للحركة السيادية في لبنان والمعارضة للهيمنة السورية، بالتكامل مع حركة المصالحة على خط دمشق الرياض التي شكلت المظلة الواقية لعودة سورية مظفرة، ومهدت الطريق امام اكتمال مشروع استعادة النفوذ المفقود الذي تجلت ابرز تعبيراته في المسلسل المضني الذي بدأ مع تكليف زعيم الاكثرية النيابية سعد الحريري بتشكيل حكومة الائتلاف الوطني وانتهى مع زيارته الى دمشق في مشهد متكامل أظهر في شكله ومجرياته ومضمونه أن مفاتيح الحكم والتهدئة في لبنان عادت الى عهدة سورية بعد انقطاع.