دمشق ـ بروين ابراهيم
أطل السابع عشر من ابريل على سورية الحبيبة، اطل وذكراه لا تفارق أي سوري عادي، فكيف بمن قدم شهيدا، والحق يقال هناك قرى بكاملها أحرقت أيام الاستعمار الفرنسي كون فرنسا كانت تعتمد سياسة الأرض المحروقة.. وجبالنا على الساحل السوري شاهدة على ذلك إذ عندما تقوم بزيارة لقرية من تلك القرى وعلى سبيل المثال قرية برمانة المشايخ من ريف مدينة طرطوس يحدثك الكبار منهم إذ كانوا في ذلك الوقت صغارا أو يافعين «يقولون نعم كان الوقت شتاء والبرد يقصم الظهر.. عندما استيقظت وكانت جدتي ومعها أمي تحاول ان تخبئ أطفال العائلة في أماكن سرية (مثل أماكن تربية الحيوانات، خوفا علينا من بطشهم..) وقال د. احمد عمار نعم ان جدي الشيخ أحمد عمار من المجاهدين قارع العثمانيين والفرنسيين.. حدثني والدي رحمه الله «جاءوا ليأخذوه ورفاقه المجاهدين وعندما لم يستطيعوا ان يجدوهم قاموا بحرق القرية بالكامل نعم احترقت قريتنا أمام أعيننا.. سياسة فرنسا في ذلك الوقت كانت تقوم على سياسة الأرض المحروقة واقتلاع الشجر والحجر..».
وسبحان الله مع شهر الربيع شهر الخير والبركة شهر (ابريل) الذي يصادف السابع عشر منه، تقام الأفراح والمناسبات، انه عيد الاستقلال الوطني وجلاء آخر مستعمر فرنسي عن سورية، بعد معارك أخذت معها شبابنا وأطفالنا وخيرات أوطاننا، وخاض المناضلون في ذلك الوقت معارك مضنية مع العدو قادها الثوار الأحرار في الجبال والسهول وسطروا أروع الملاحم والتضحيات مقدمين دماءهم مدادا لحرية واستقلال الوطن وكرامته، وعلينا أن ندون كتب تاريخنا بنور وندرسها لأجيالنا لأنهم يتعرضون لأنواع عديدة من أشكال السيطرة الاستعمارية فالعولمة ومحاولة دخولها الى مجتمعاتنا بشتى الطرق هدفها اللعب في عقول شبابنا وأطفالنا. فالانترنت والترغيب في الهجرة الى بلاد ما بعد المحيطات والحضارة الأوروبية والدعاية لها حتى ليخيل لشبابنا ان المن والسلوى في بلدانهم، لكن الحقيقة ان الذل والخنوع والتمييز العنصري هو ما يقدمونه لشبابنا، فكم من شباب عربي في بلدان الاغتراب نراه سائق تاكسي وآخر عامل تنظيف و... وعلينا ألا ننكر انهم بالعلم والمعرفة في مجالات الطب والهندسة والالكترونيات تفوقوا علينا لأنهم هم من حاول وعمل على تأخرنا، وهنا علينا ان نعلم شبابنا ان السفر لبلدانهم من اجل العلم والمعرفة هو الصحيح ولكن الوطن بحاجة لهم ايضا وعليهم ان يعودوا.
وعلينا في هذه المناسبة الغالية على قلوبنا ان نواكب الأدب على اختلاف تياراته ومشاربه من رواية وقصة وشعر ومسرح.. وملاحم النضال الوطني من خلال بث الحماسة في نفوس المقاومين كما تجسد صور المعارك التي خاضها الثوار في سبيل تحقيق الحرية. وبهذه المناسبة الوطنية الغالية مناسبة السابع عشر من ابريل كانت لنا هذه الوقفات مع بعض الشخصيات الأدبية والفكرية ومنهم د.حسين جمعة رئيس اتحاد الكتاب العرب الذي قال عن الجلاء: الجلاء كلمة تحمل من الأبعاد الفكرية والثقافية والنضالية ما لا يمكن ان تحمله أي كلمة أخرى، انها تعني التمسك بالكرامة والحرية وسيادة الوطن، وتعني هذه الكلمة ان نكون أوفياء لأولئك الأبطال الشرفاء الذين تفانوا في حب الوطن فبذلوا دمهم في سبيله لنعيش نحن في ظل هذا الوطن السيد الحر.
إذن كلمة الجلاء لا يمكن ان تكون كلمة عابرة في حياة شعبنا وحياة الشباب خاصة لأنها تؤكد مفهوم العزة وتؤكد كيف يمكن للأبناء ان يقتدوا بأولئك الشرفاء الميامين الذين ضربوا لهم المثل في القدوة الحسنة.
بدوره الشاعر عبد القادر الحصني كانت له كلمة في المناسبة اذ قال: الجلاء سيد الوطن.. هو الذي رسم علمه وكتب نشيده وحرس حدوده ورفع اسمه عاليا بين الأمم، له قامة الكبرياء وعنفوان الشهادة ووهج الكرامة.
له تتفتح أزهار الربيع ويفوح عطر الانسام المحملة بالحب والفداء، انه ليس ذكرى وليس ماضيا وليس شعارا وليس كلمات يخطها القلم على الورق.
ورغم الآلام والمعاناة، أبدع الشعراء من نسيج أرواحهم وحرائق وجدانهم وأعراس أفراحهم واصطخاب أمواج نفوسهم ديوانا ضخما لشعر الجلاء، تزدحم في البال القصائد والشعراء ويصعب الحصر، فنذكر على سبيل المثال بدوي الجبل وخليل مردم بك وبدر الدين حامد وشفيق جبري وعمر أبو ريشة وعبدالرحيم الحصني وسليمان العيسى، وتطول القائمة وأجمل من كل قول ما قالوه، حيث قال عبدالرحيم الحصني في قصيدته «عيد الجلاء»:
لولا الجلاء وما بعد الجلاء لما
طاب الرحيق على مغناك والثمر
دنيا من الحسن نستجلي مفاتنها
أدنى المواطئ من حصبائها درر
رفت ستائر خديها، فما اكتحلت
عين البطولة إلا وهي تنحسر
الشاعر بديع صقور قال: الجلاء هو الذكرى التي لا تمحى من وجداننا، ففي الأدب يكون الوطن هو الأسمى والحرية هي هوية الوطن الجميل، الوطن المقاوم الذي يرفض القيود.
عيد الجلاء كان ولايزال هو الأبهى في حياة سورية لأنه جاء بإشراقة نور الحرية عند خروج آخر جندي غاصب من أرضنا الحبيبة.
سورية التي استطاعت بفضل مناضليها والمجاهدين الذين رووا ترابها بدمائهم كي تشرق شمس الحرية وكي تبقى عزيزة مصانة يليق بها أن تكون منارة حضارات وثقافات كانت هي البداية.. أرض الأبجدية.. أرض الشعر.. أرض الحياة.. سورية التي أنجبت الإنسان الأول، الذي صنع مجد الحياة وكان الشعلة الأولى التي أضاءت طريق المعرفة.. سورية اوغاريت والبحر.. والجبال والسهول.. الأرض العصية على كل غاصب وكل غاز.. منذ فجر التاريخ وهي تتعرض لحراب الغزاة ومنذ فجر التاريخ وهي تصمد وتكسر هذه الحراب وتردها الى نحر مطلقها. إن الجلاء يعيد لنا بهاء الحرية ويعيد لنا عزة إنسان سورية، الذي كان رائدا وطنيا وقوميا حمل منارة القومية العربية.