هدى العبود
معاناة لا يستهان بها، خوف من المستقبل الآتي من ماذا
يا ترى؟ يتحدث الفلاحون بحسرة عن موسم القمح الذي لم يكونوا يتوقعون أنهم سوف يجدون «تبنا» وليس قمحا. نعم، الفلاحون في وضع لا يحسدون عليه إذ ان أكثر من مائة فلاح قالوا اننا لا نستطيع تقديم اجر العمال الذين ساعدونا أثناء الزراعة والتعب في الشتاء. والسبب هو «السونة الصفراء» التي حصدت الأخضر واليابس، اضافة لغلاء المازوت وهذا بحد ذاته حديث ذو شجون سبق ان تعرضنا إليها. هذا هو الوضع في المنطقة الشرقية علما ان من يقرأ الصحافة كل يوم يستبشر خيرا فالمشروعات وتوقيع الاتفاقيات ووصول المستثمرين الذين لبوا الدعوة من عدة بلدان عربية وأجنبية، بحوارهم المفتوح مع الجهة الراعية، إلى إقرار جملة من المشروعات التي طرحتها الحكومة، والمقدرة بمائة وأربعين مشروعا متاحا في مجالات متنوعة أهمها: السياحة والصناعة والزراعة والبنى التحتية والخدمات والتجارة. وقد قدرت هذه المشاريع بنحو 66 مليار ليرة سورية. أهمية هذه الاتفاقيات وتوقيعها، جاءت في وقت احتلت فيه المنطقة الشرقية ومسألة البادية واجهة الحدث الاقتصادي طيلة فصل الشتاء، وإن لم تنحسر بعد. سلة المشروعات المطروحة على المستثمرين تلبي، إن تحقق معظمها، الحاجات الضرورية التي تتطلبها المنطقة الشرقية، التي عانت من قصور مزمن في مشروعات البنية التحتية، التي من شأنها أن تحدث نموا اقتصاديا واجتماعيا ملموسا لسورية بشكل عام وللمنطقة بشكل خاص، فيها، وتمتص أعدادا كبيرة من الشبان الداخلين إلى سوق العمل كل عام. كلنا يعلم أن مشاريع استصلاح الأراضي والري والزراعة التي أنشأتها الحكومات المتعاقبة كانت مصحوبة بزخم سياسي، أكثر منه اقتصادي. فهل حان وقت العمل الاقتصادي المجرد، والذي يجعلنا نتفاءل بمستقبل هذه المنطقة الحيوية، التي نتمنى أن تصبح فعلا، الحديقة الخلفية لسورية في السنوات القادمة، نظرا لما تختزنه من ثروات باطنية وزراعية وحيوانية وبترولية، وحتى سياحية. تحضرني الآن ذكريات أول زيارة ميدانية لتدمر وللمنطقة الشرقية في بداية عملي الصحافي في مجال السياحة صيف عام 1997، عندما اصطحبنا وزير السياحة كان هناك مهرجان خاص للهجن والفروسية واستقدام الخيول العربية الأصيلة لسمو الشيخ محمد بن ارشد آل مكتوم الى باديتنا وعروس صحرائنا تدمر والاستقبال الحافل من قبل المعنيين في الحكومة وشيوخ العشائر والمواطنين لتلك الأنشطة. وفي الطريق كانت ترتسم لنا لوحة فسيفسائية لمستقبل المنطقة بعد بضع سنوات، عندما تغرس الأشجار وتنمو على مدى الأفق، وتباشر مؤسسة مزارع الدولة باستثمار الأراضي المستصلحة المخصصة لها، ويتم الانتهاء من بناء القرى النموذجية لتوطين فلاحي الغمر، ومربي الماشية. كنا نصغي إلى شرح المعنيين من محافظ حمص والرقة، والأمل يحدونا بأن نعود بعد عدة سنوات لنرى الحلم وقد تحقق فعلا، وأضحت باديتنا والمنطقة الشرقية جنة سورية الواعدة بالغلال، التي تكفي لإمداد الشرق الأوسط بالغذاء، حسب ما أكدوا لنا آنذاك. سنون مضت منذ ذلك التاريخ، إلا أن شيئا من تلك اللوحة الجميلة لم يكتمل. فهل ستعوض الاتفاقيات من قبل المستثمرين العرب والأجانب، والسوريين في الاغتراب، كل تلك السنين التي ضاعت سدى، وجعلت من هذه المنطقة أكثر فقرا وتخلفا عن باقي مناطق سورية؟ وهل ستخص الحكومة يا ترى مشاريع تلك المنطقة التي تعتمد على السماء والسخاء من قبل الدولة بمشاريع بنى تحتية زراعية وصناعية كتلك المتعلقة بسلة الغذاء السورية خاصة القمح، وهل ستقدم الدولة عناية خاصة، وميزات تشجيعية غير مسبوقة، تدفع بالمستثمرين إلى الإقبال بشغف على مشروعات من هذا القبيل؟ أم أن التعقيدات الإدارية المتعارف عليها ستلحق بها، وتحيلها إلى مجرد مشروعات على الورق؟