لا يزال عدد قليل من الحمامات الدمشقية التي يعود نشوء بعضها إلى أكثر من 700 سنة، يزاول نشاطه في استقبال الناس الذين يودون أخذ حمام ساخن في هذه الأماكن الأثرية..لاسيما السياح الذين يدخلونها في سياق جولاتهم في دمشق القديمة للتعرف على أجواء ومعالم هذه الأبنية العريقة.
هذه الحمامات التي زاد عددها على المائتين في وقت ما وبلغت ذروة شهرتها في القرن التاسع عشر كانت جميعها تستقي من مياه نهر بردى وفروعه وكانت تتحول إلى مكان يجتمع فيه الناس وخاصة في المناسبات أي قبل الأعياد والأعراس والموالد وسواها فلا يقتصر النشاط على الاستحمام بل تأخذ الجلسات فيه عدة ساعات من حفلات السمر وتداول شؤون الحياة. وخاصة حفلة الحمام التي كانت تقام للعريس ليلة زفافه حيث يقوم صحبه بإلباسه حلة العرس على انغام العراضة الشامية المشهورة وما يتخللها من ألعاب وتسالٍ.
ومع تراجع تلك العادات الاجتماعية القديمة في ظل تطور المدينة وصخب الحياة والاستهلاك فيها تحول الحمام إلى معلم تراثي وأثري كالقلعة أو السور أو سواهما يقصده السياح للاطلاع عليه كبناء قديم ولم يبق من ذلك العدد الكبير من الحمامات التي تعمل في الوقت الراهن سوى 12 حماما ليتحول الباقي إلى مطاعم ومقاه منتشرة داخل سور المدينة القديمة.
ومن أشهر الحمامات التراثية المتبقية في دمشق نور الدين الشهيد، الملك الظاهر، السلسلة، الناصري، البكري، الورد، الجوزة، الخانجي، القرماني، أمونة والشيخ رسلان وغيرها.
لا يختلف الحمام من خلال زخارفه وطبيعة بهوه عن البيت الدمشقي كثيرا فكل تفاصيل التراث الشامي تتجلى بأبهى صورها في الحمام القديم ما يجعله مرجعا للسياح من كل صوب خاصة أنه يحمل تقليدا غير موجود في دول الغرب وهو الاستحمام خارج المنزل.
ويتميز البناء الداخلي في هذه الحمامات باحتوائه على عدد كبير من القناطر واللوحات الزخرفية الشرقية المنتشرة وخاصة في البهو البراني إضافة إلى الشرقيات والأنتيكا التي تزين زوايا الحمام. تنتمي الحمامات من حيث هندستها البنائية ونموذجها العمراني إلى الطابع العمراني للبيوت الدمشقية فمعظم حجارتها من الرخام الذي بنيت منه أشهر قصور وبيوت دمشق القديمة.
ويقول محمد حمامي مدير حمام نور الدين الشهيد في تصريح لوكالة سانا إن حمام نور الدين الشهيد في منطقة البزورية يعود إلى سنة 1170 ميلادية في العهد المملوكي حيث بناه نور الدين محمود زنكي الملقب بالشهيد وتعود ملكيته الآن لمديرية الآثار والمتاحف وتستثمره عائلة حمامي. وفي شرح مفصل يتحدث حمامي الذي استقت عائلته كنيتها من المهنة أن الحمامات القديمة بشكل عام عبارة عن دور كبيرة مقسمة إلى ثلاثة أجزاء هي البراني وهو البهو ويعتبر استراحة للزبائن والوسطاني وهو قسم يحضر فيه الزبون للاستحمام وحرارته أعلى من البراني وأقل من الجواني أما الجواني فيتألف من عدة مقاصير للاستحمام.
ويضيف حمامي الذي يدير حمام الناصري حاليا أن الحمام حافظ على طقوسه فيستقبل النساء في الفترة الصباحية والرجال في الفترة المسائية كما أنه يستقبل العروس ويستعيد العادات القديمة أثناء العرس مثل الحناء والاطعمة المعروفة بدمشق التي تقدم في الحمام احتفالا بالعرس. ويجزم مدير حمامي الناصري ونور الدين الشهيد أن هذه المهنة لن تنقرض مادام هنالك زبائن دائمون، إضافة إلى السياح الذين يرتادون الحمامات القديمة بشكل يومي.
ويشير طاهر الجودي الحسني مدير حمام السلسة في العمارة إلى أن عمر هذا الحمام يجاوز 800 عام وهو من أقدم الحمامات في الشام القديمة لافتا إلى أن عادة الاستحمام في حمام السوق تراجعت هذه الفترة كثيرا وتقتصر حاليا على زبائن محددين إضافة إلى السياح.
ويشرح الحسني أن تسخين المياه سابقا في الحمامات كان يعتمد على الحطب وكانت هنالك في كل حمام غرفة للحطب أما الآن فيتم الاعتماد على المازوت لكن أساليب الاستحمام القديمة مازالت معتمدة وهي الجرن والطاسة مع إدخال بعض التقنيات الحديثة التي وصلت إلى الجاكوزي في بعض الحمامات.