هدى العبود
لم ولن أبالغ إذا قلت ان معاناتنا نحن الصحافيين تصل لدرجة تقدر بـ «99%» تتجلى انه كتب علينا نحن أن نكون على مقربة من الجميع في قمة الهرم وقاعه، جرح نازف لكل إعلامي في وطننا العربي ربما، ولا أستطيع أن أجزم بأن هناك زملاء لنا منّ الله عليهم بالثراء والرخاء قد يكون أكثر من أي مسؤول يشنف أنوفنا بأنواع البرفانات الفرنسية وأناقته غير الطبيعية والماركات التي يرتديها، يقابله الصحافي الذي يتحايل على ملابسه البسيطة بقميص من هنا وفستان لإعلامية من هناك وأشكر الله وأحمده على الجينز ومن اخترعه لأنه ساتر التمايز بين الطبقات وعورات الفقراء ربما.
وأنا أقول «نحن الإعلاميين نقف في أقصى اليمين، وأقصى الشمال، بين المسؤولين، بين رجال الأعمال وبين أفقر الناس، وبين مستهلكين لا يملكون ثمن ما يرغبون في استهلاكه».
مهنة كتبت علينا أن نعيش مع كبار المسؤولين والشخصيات في النهار وأن ننام في بيوتنا البسيطة بالليل، ومعظمنا يرحل إلى بلده وأهله الفقراء بين الفينة والأخرى ليعود إلى جذوره التي لا يستطيع التنصل منها.
والإعلامي مع الأسف لا يمكن له أن يصف حياته إلا أنها «عيشة المتاعب والمتناقضات» وهو أمر تعودنا عليه وبدأنا نلبس أقنعتنا كل صباح لنواجه المسؤول بوجه بشوش والمديح والثناء بذكائه وما قدمه للوطن والطبقة العاملة الفقيرة البسيطة، ومع الأسف أصبحنا نتحدث ونتقول بلسانه وهنا تحضرني د.بثينة شعبان عندما كانت مديرة الإعلام الخارجي في الخارجية السورية ومسؤولة عن المراسلين، عندما نجتهد لنفسر بعض التصريحات كما فهمناها تقول مباشرة «لا تقولوني ما لم أقله» لقد كانت حذرة وواثقة ودقيقة بكل ما تقول، على عكس المسؤولين الذين أصبحنا نتحدث بألسنتهم تماما بدلا من تبني موقف المواطن في كثير من الأحيان، ومن ثم نقابل رجال الأعمال ولن نصفهم لأنهم حقيقة في غنى عن وصفنا بربطات العنق الفاخرة، فنتحدث معهم وعنهم وحول معاناتهم في المليارات وكيفية «تكديسها» وهم يفكرون كيف تفرخ هذه الملايين مليارات.
وفي تحقيقاتنا وتقاريرنا الإعلامية «ندخل الأزقة المظلمة فنبكي ألما على ساكنيهــا الذيــن يحلمون بقليل من الشمس أو بعض الهواء ووجبة طعام شهية» نشاركهم آلامهم بجرح في قلوبنا صدقوني لا يندمل بسهولة، ونغادر إلى حيث قد نجد الحياة لا تشبه حياتنا حياة نحلم بها ساعات طوال قبل أن ترقد مآقينا لباريها وننام ونحلم بالرفاهية، وننساهم.
وهذا مع الأسف ينطبق على أقسام الإسعاف في المشافي العامة، نرى الموت يترصد المرضى الطارئين والتململ يبدو على وجوه العاملين الذين يتكونون في الغالب من أطباء متدربين يشعرونك أنهم أطباء ولكن حقوقهم مهدورة مقارنة بالأطباء المدعومين في مشافيهم الخاصة والمشافي تقوم على أكتافهم، وممرضات ينتظرن بفارغ الصبر نهاية الوردية، نتأثر قليلا وسرعان ما ننسى.
لكن في وقتنا الحاضر بات علينا أن نتعايش مع متناقضات أكثر غرابة يدخل فيها النفاق عنصرا أساسيا، فهناك متناقضات داخل الشخص نفسه، ففي لحظة تدمع عيناه وهو يتحدث عن الوطن والمصلحة العامة، وفي نفس اللحظة تجده يوقع قرارا يستفيد منه ببضعة دراهم وتخسر الدولة في مقابله الملايين و«ضمن الأنظمة والقوانين النافذة التي تحميه وكأنها فصلت لأجل مصالحه وأهوائه فقط أو هو ساهم في تفصيلها وتحريفها كما يحلو له».
وكذلك إذا عدنا للتناقضات نجدها في تطبيق القوانين والمراسيم التي تصدر لأهداف نبيلة ولكن من «يسهر» على تطبيقها يذهب بها إلى مكان آخر، حيث مصلحته، وفهمكم كفاية.
وإلى المزيد من التناقضات التي نعيشها والمثال هنا عن نظرة المسؤول إلى سلفه الذي حل محله وعلى كرسيه الفاره وتقوله انه «تسلمها ويخجل من نخران السوس»، ثم ما يلبثون أن يخرجوا من المنصب ليأتي غيرهم لتسلم «نخران السوس» ويقنعوننا تماما أنهم يعملون بمحيط جاهل لدرجة أننا نقول «أعانهم الله على ما ابتلاهم».
ولا يختلف واقع رجال الأعمال عن واقع المسؤولين فهم يجاملون بعضهم البعض ويحضرون حفلات بعضهم البعض ويسافرون معا في الوفود الاقتصادية، ولكن النفاق يغلب على العلاقات وترى الرجل يتحدث في وجه زميله بأفضل ما يكون وفي لحظة ينقلب عليه بمكان آخر، «لينال منه» ولا يختلف مجتمع الصحافيين عن هذه المتناقضات فالصحافي اللامع والناجح يستقبله زملاؤه بالإشادة والثناء، وعندما يدير ظهره يتناولونه بأبشع الصفات، وتسمع من البعض في المجالس كلاما يشعرك بأنك أمام أعظم الصحافيين.
حياتنا امتلأت بالنفاق وأصعب ما فيها أن النفاق تغلغل في مراكز القرار حتى يصعب على المرء أن يميز بسهولة بين المنافق والصادق، وأقول في النهاية: يا إخوتي الوطن إذا غرق غرقنا جميعنا نحن الفقراء راضون برفاهيتكم ونعيمكم ولكن أرجوكم حافظوا على الوطن.